الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١١٠
ولا قيمة لأبصارهم ولا قيمة في أولادهم ولا قيمة في أموالهم، لأنهم ركبوا بما يضمرون في أنفسهم قطار الاستدراج الذي ينتهي بهم إلى محطة الاستئصال، وهناك يقطع الله تعالى دابرهم فلا ترى لهم من باقية.
إن أتباع الانحراف لهم آذان لا يسمعون بها ولهم عيون لا يبصرون بها ولهم قلوب لا يفقهون بها، لأنهم يستعملون حواسهم فيما لا يعود عليهم وعلى الإنسانية بالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، وهم ما فقدوا مقياس الاستعمال الصحيح لحواسهم إلا بعد أن نسوا أو تعاموا عن الدليل الحق الذي يقودهم إلى الطريق الحق، ومن كانت مقدمته النسيان أو التعامي عن الحق في أول الطريق تمرغ في نهاية الطريق على أرض السراب بحثا عن الماء ولن يجد الماء! لأن المقدمة كانت تقوم على نسيان الله ومن نسي الله في أول الطريق أنساه الله نفسه على امتداد الطريق وانتهى أمره إلى الهلاك والله غني عن العالمين. وثمود نست وتعامت ففقدت الدليل، والدليل يحدثها من كل جانب. يقول لهم قولا واحدا:
(يا قوم اعبدوا الله) ويحذرهم تحذيرا واحدا (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) (54) لقد كان لوجود الناقة بينهم حكمة، ومن وراء هذه الحكمة هدف، إن الناقة كانت شيئا ماديا يروه بأم أعينهم في طرقاتهم. كانت دابة على هيئة لم يألفوها، اختار عباقرتهم وفقهاؤهم أوصافها بأنفسهم وأخرجها الله لهم من الصخرة التي عينوها أيضا بأنفسهم، وهذا في حد ذاته دعوة للتدبر على امتداد أجيال ثمود، وإذا كانت الناقة وهيئتها هي الجزء المادي من المعجزة! فإن أفعالها هي الشطر الثاني من المعجزة وأفعال الناقة كانت حجة على الجميع من الطفل الرضيع وحتى الشيخ الفاني. كانت حجة على الذي رأى وسمع والذي لم ير ولم يسمع من ثمود.
وكما أن الناقة بهيئتها معجزة تقود إلى الله الحق فإن أفعال الناقة كانت أيضا معجزة تقود إلى الله الحق، وبما أن طريق الله الحق يبينه لثمود صالح عليه السلام! فإن معجزة الناقة المادية والفعلية هدفها أن تقف ثمود منصتة إلى الرسول الحق الذي يدلهم إلى الطريق الحق.
لقد كان عمل الناقة الوحيد أن تشرب يوما ولا يحضر شربها غيرها، وأن

(54) سورة الأعراف، الآية: 73.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست