صاحب الميزان: وقوله تعالى: (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) يدل على معنى العبادة المستمرة وذلك لاتصال عبادة الأبناء بعبادة الآباء.
عندما قالوا لصالح عليه السلام: لقد كان لنا رجاء فيك، وكنت مرجوا فينا لعلمك ولعقلك ولصدقك ولحسن تدبيرك. عندما قالوا هذا كانوا يلوحون بالمنصب في حقيقة الأمر. وعندما لوحوا بالمنصب عرضوا مطالبهم عندما قالوا:
فكل شئ يا صالح إلا هذا، وما كنا نتوقع أن تقولها. فيا لخيبة الرجاء فيك (44) وأمام الترغيب بالمنصب لوحوا بقبضتهم الحديدية في حالة رفض مطالبهم عندما أخبروه أنهم في شك مما يدعوهم إليه شك يجعلهم يرتابون فيه وفيما يقول:
(وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب). وهكذا عرضت ثمود مطالبها. لقد أرادت الأصنام رمز وحدتها القومية، فوضعت ما أرادت على سهم حديدي، مقدمته رجاء إن أصاب هدفه تمت لهم السيطرة على الدعوة، وإلا فثقافة التشكيك في مؤخرة السهم الحديدي من شأنها أن تقضي على الدعوة وتعود بالقطيع إلى غابات الآباء.
أمام ثمود وقف صالح عليه السلام يرى معالم الضياع على وجوه القوم، هو يدعوهم إلى الطهارة وهم يعملون من أجل إقامة سنن دولتهم، وهو قد حذرهم من قبل أن لا يمسوا الناقة بسوء، وبايعوه على ذلك وها هو يرى علامات النكث ترى بين طيات فقه التشكيك الذي لوحوا به، فقال لهم ردا على ما أثاروه: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة منه فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير) (45). والمعنى: أخبروني. إن كنت مؤيدا بآية معجزة تنبئ عن صحة دعوتي. وأعطاني الله الرسالة وأمرني تبليغ رسالته. فمن ينجيني من الله ويدفع عني إن أطعتكم فيما تسألون ووافقتكم فيما تريدونه مني، وما يريدوه مني هو ترك الدعوة (46). إن حرصكم من أجل أن أترك الدعوة وأرجع إليكم لا يزيدني إلا خسارة. إن اللحوق بكم فيه غضب لله وحرماني شرف الرسالة وخزي في الدنيا وعذاب في الآخرة وهذا كله خسارة بعد خسارة.