الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١١١
يشرب القوم يوما ولا يحضر شربهم غيرهم. وكانت الناقة إذا كان يوم شربها خرجت بلونها البهي الجذاب لكونها حمراء شقراء وبراء، وسارت في الطرقات بجسمها العظيم الضخم الذي تمتاز به عن غيرها من سائر نوق الدنيا، وتوجهت إلى الماء فتشرب حتى إنها لم تبق لهم شيئا من الماء يوم شربها. كما كانت تتوجه إلى المرعى فتأكل ما تشاء ولا يجوز لأحد منعها ومعارضتها، ثم تعود إلى حيث تبيت دون أن تضر أحدا في نفسه أو زرعه وشجره. تعود كما خرجت وهي في جميع تحركاتها لا تحتاج إلى حارس ولا سائس، وكانت سائر الدواب تخاف منها عندما تراها خارجة للذهاب إلى الماء والمرعى أو عائدة إلى ديارها، كانت سائر الدواب تخاف منها وتفر من طريقها وهي لا تؤذيها كما روي (55) أما في يوم شرب القوم فإنها لا تقرب الماء يوم شربهم ولا تزاحمهم، هكذا من نفسها، لأن واقع أمرها لا يدركه إلا الذي خلقها وسواها. وكانت عندما تعود لمبيتها يحلبونها، فلا يبقى في بلدتهم صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها في ذلك اليوم. هكذا جرت عليهم الأيام. يشربون لبن الناقة في اليوم الذي لا يشربون فيه الماء. ولا تأخذ الناقة منهم شيئا في اليوم الذي لا يحق لها أن تشرب من الماء.
إن فقدان الماء في يوم وخاصة في عالم الصحراء. وبالأخص في عالم ثمود الذي يقوم فيه العمال والجنود بنحت الصخور. يكون أمرا شاقا على مستوى الفرد وعلى مستوى الدولة التي تريد أن تنفذ خطتها وفق أطروحة الآمال الطويلة، وهو أمر شاق أيضا على سير التجارة وانتقال القوافل من هنا إلى هناك، لأن نقطة بدء الرحلة يتحدد يومها وفقا للقسمة بين الناقة وبين القوم. كي تتزود القوافل بالماء اللازم في اليوم المحدد لها. هذا إذا توفر لها الماء فعلا، نظرا لأن الناقة في يومها كانت إما تشربه جميعا أو تشرب معظمه، وليس الماء فقط بل نبات المراعي أيضا الذي تتزود منه القوافل ليكون زادا لدوابهم. باختصار كان في فقدان الماء ليوم واحد فقط خطورة عظيمة تهدد أركان ثمود، وبما أن الماء في يد القدرة الإلهية فكان أمام ثمود حلا واحدا لا بديل له. وهو الإيمان بالله وعبادته وفقا لهذا الإيمان. وخطوط هذه العبادة تكمن في طاعتهم لصالح عليه السلام لأن طاعته من طاعة الله.

(55) ابن كثير: 228 / 2.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست