الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٢١
واستكبروا أن تأكل وتشرب في أرض الله، فجعلهم الله في مماتهم كشجر لا يصلح إلا للدواب، ولقد رفعوا رقابهم أمام صالح عليه السلام وتطاولوا على الذين آمنوا. فجعلهم الله في مماتهم ساقطين على وجوههم وركبهم. ولقد شيدوا دورهم ومساكنهم داخل الصخور وتطاولوا بها على المستضعفين من الذين آمنوا (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون * فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين * (92) أي ما تمكنوا من قيام من مجلسهم ليفروا من عذاب الله. وهو كناية عن أنهم لم يمهلوا حتى بمقدار أن يقوموا من مجلسهم (93). لقد أطبق العذاب على ثمود فلم يقدروا على دفع العذاب عن أنفسهم لا بأنفسهم ولا بناصر ينصرهم.. لقد حفروا في الصخور كي يتجنبوا الرياح المهلكة التي أطاحت بعاد. لكن العذاب جاءهم من طريق أسرع من الرياح. لقد حفروا في الصخور مخافة الموت فجلسوا فيما حفروا ينتظرون الموت. بعد أن تأكدوا من أن الذي وعدهم به صالح من عذاب آت لا ريب فيه. وأن عليهم أن يدفعوا ثمن خيانتهم للفطرة ولأنفسهم وللرسول وللمعجزة وللكون كله الذي ساروا فيه في عكس اتجاهه. لقد جلسوا وتحنطوا وتكفنوا ولم يعد في ثمود من يثق في أي قول يقال له من العتاة الذين وثنوا الفطرة ومهدوا السبيل لثقافة الانحراف والشذوذ وصدوا عن سبيل الله، لم يعد هناك من يثق في قول العتاة وذلك في وقت لن يجدي فيه الندم، بعد أن أطاحوا بالتوبة والاستغفار يوم أن دعاهم نبيهم إليها.
كان كل فرد في ثمود لا يثق إلا في كفنه، ذلك الشر الذي يطرد الشر من على صفحة هذه الأرض، وبينما هم في الأكفان جاءتهم الرجفة التي لم يعملوا لها حساب وفقا لمقاييس فروع الهندسة في عالم العتاة. والرجفة هي الاضطراب والاهتزاز الشديد كما يحدث في زلزلة الأرض وتلاطم البحر، وعندما ضربتهم، الرجفة أصبحوا في بيوتهم جاثمين، والجثوم في الإنسان كالبروك في الإبل، لقد برك الجبابرة وأتباعهم كل داخل دياره وعلى أبدانهم أكفانهم ليذوقوا عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشد. جثوا في بطون الجبال (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما

(92) سورة الذاريات، الآيتان: 44 - 45.
(93) الميزان: 381 / 10.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 125 126 127 ... » »»
الفهرست