الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١١٣
لقد كانت الناقة دعوة للتأمل والتدبر. فخلقها عظيم مهيب، وكانت دعوة للشكر، لأن على لبنها عاش القوم، وكانت دعوة للاستغفار من الذنوب. لأنها مقياس للماء على أرض ثمود صاحبة الأعلام والجنود، كانت الناقة إشارة للذين يحفرون الصخور طلبا للخلود. إشارة تقول إذا كان هناك قوم قد أهلكوا بالطوفان! فليس بالضرورة أن يكون هلاك آخرين به. وقد يكون الهلاك في عدم وجود ماء. (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) (60) إن ذاكرة ثمود لم تع الحدث العظيم، لأنها استنقعت في أبوال إبل آباء معسكر الانحراف، وعندما تناسوا أو تعاموا عن الحدث وحكمته ابتعدوا عن دائرة الاستبصار، واقتربوا من دوائر الفتن، التي يجري على الهالك فيها قانون الاستدراج وهو قانون يضرب كل مفتون وكل جبار يرفض التوبة والاستغفار. لقد كانت الناقة علما بذاتها. علما يحمل لهم الخير. خيرا يدخل في أجوافهم.
وخيرا يدخل عقولهم لو تدبروا. وكانت الناقة جدارا يحميهم من الفتن لأنها تردهم إلى صالح. لأنهم إذا سقطوا في الفتن بلا دليل. فلا أمل في نجاتهم.
وصالح عليه السلام حذرهم من الفتن التي ليس فيها دليل يقود حين قال لهم:
(طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) (61) إن النجاة في عالم الفتنة لا تكون إلا لأصحاب البصائر الذين يعلمون أن طائرهم عند الله، ولأنهم يبدأون طريقهم من الله! فإنهم على امتداد الطريق تكون همتهم بالله وشغلهم فيه وفرارهم إليه، وثمود قامت بحملات الترغيب والترهيب والتشكيك من أجل الصد عن سبيل الله، وقال الذين استكبروا للذين آمنوا: (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا: إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) (62) وثمود لم يسمعوا للدليل الذي بعثه الله فيهم ليقودهم إلى الطريق المستقيم. لم يسمعوا له حين قال لهم: (فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (63) ولقد عصوا الله وأطاعوا أمر المسرفين لأن معهم مصالحهم وفي أوعيتهم أهواءهم. وعندما عصوا

(60) سورة الملك، الآية: 30.
(61) سورة النمل، الآية: 47.
(62) سورة الأعراف، الآيتان: 75 - 76.
(63) سورة الشعراء، الآيات: 150 - 152.
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست