الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١١٢
وثمود عندما كانوا في دائرة الاستبصار بعد خروج الناقة من الصخرة، كانت الناقة لا تشرب من الماء إلا قليلا، وكلما ابتعدت ثمود عن دائرة الاستبصار، كلما شربت الناقة، من الماء بقدر ابتعادهم، حتى جاء اليوم الذي انهار فيه اقتصادهم. وتشاءموا من صالح عليه السلام. لقد كانوا يبتعدون. والناقة بأفعالها تدعوهم إلى دائرة الاستبصار. وصالح عليه السلام بأقواله وأفعاله يدعوهم إلى الهدى والطريق المستقيم يقول تعالى: (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها) (56) قال المفسرون: (مبصرة) صفة للناقة. أي تدل ثمود إلى الطريق الحق، وبأفعالها تدل على وحدانية من خلقها، وصدق رسوله الذي أجاب الله دعاؤه فيها.. فالناقة كانت مبصرة، ومعجزتها ظاهرة البينة، لقد كانت تتعامل مع الماء بحكمة فيها إعجاز تلتفت إليه ثمود، ولكن ثمود ركبت دواب استعجال السيئات، ولم ينصتوا لصوت الحكمة الذي تبثه الناقة، ولا لصوت العقل الذي يبثه صالح عليه السلام. لقد طالبهم بأن لا يستعجلوا بالسيئة قبل الحسنة. لأن حضور السيئة يبعد عنهم الماء. وأمرهم بأن يستغفروا الله، لأن مع الاستغفار يكون الماء. وبما أن الله تعالى جعلهم خلائف من بعد عاد، فصالح عليه السلام لم يقل لهم إلا ما قاله هود لعاد: (يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا) (57) ولم يقل لهم إلا ما قاله نوع لقومه:
(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا) (58) إن الناقة على الأرض مقياس للماء. ولله في خلقه شؤون. ولكن أصحاب الأدمغة الفارغة، والأحلام التافهة، لم يفقهوا حقيقة الأمر، ورفضوا الاستغفار واستثمروا أوضاعهم الاقتصادية المنهارة. التي يرجع سببها الرئيسي لكفرانهم بالنعمة ولصدهم عن سبيل الله.. استثمروها في مربعات التشكيك بصالح والذين معه، قائلين له: ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرا! (قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون * قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون) (59).

(56) سورة الإسراء، الآية: 59.
(57) سورة هود، الآية: 52.
(58) سورة نوح، الآيتان: 10 - 11.
(59) سورة النمل، الآيتان: 46 - 47.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست