هذا وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة، وكلاهما رجالهما رجال الصحيح، إلا علي بن بحر، وهو ثقة، ولفظ حديث أبي هريرة إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم، وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا "، أن يؤمروا عليهم أحدهم، لأن في ذلك السلامة من الخلاف، الذي يؤدي إلى التلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه، ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقل الخلاف، وتجتمع الكلمة.
وبديهي أنه إذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون، فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار، ويحتاجون لدفع التظالم، وفصل التخاصم، أولى وأحرى، ومن ثم ففي هذا دليل لقول من قال: إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام.
هذا وقد ذهب الأكثر إلى أن الإمامة واجبة، لكنهم اختلفوا: هل الوجوب عقلا " أم شرعا "؟ فعند العترة، وأكثر المعتزلة والأشعرية، تجب شرعا "، وعند الإمامية تجب عقلا " فقط، وعند الجاحظ، والبلخي، والحسن البصري، تجب عقلا " وشرعا "، وعند ضرار، والأصم، وهشام القوطي والنجدات لا تجب (1).
ويقول الإمام علي رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة في رده على الخوارج - كما أشرنا من قبل - أنه لا بد للناس من أمير - بر أو فاجر - يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح في فاجر.
وقال: أما لإمرة البرة فيعمل فيها التقي، وأما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي، إلى أن تنقطع مدته، وتدركه منيته (2).