وقال الإمام أحمد بن سليمان في كتاب حقائق المعرفة: إعلم أنه لما كانت النبوة لا تحصل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى قد ختم به الرسل، وكان الناس محتاجين إلى من يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ينفذ الأحكام، ويحل الحلال، ويحرم الحرام، ويكفل الضعفاء والأيتام، وينصف المظلوم، ويدعو إلى عز الإسلام، ونيل المكارم، ويدفع كل خائن وغاشم، ويدعو إلى الجهاد في سبيل رب العالمين، ويعز المؤمنين، ويذل الفاسقين، فإن العقل يحكم بوجوب قيام إمام من المؤمنين لصلاح الإسلام والمسلمين.
ويحكم العقل إنه لم يقم، فإن الإسلام يضعف، وأن الكفر يقوى، وأن الفساد يلحق جميع الناس، فوجب قيام الإمام، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا مات الإمام أو قتل، يجب قيام إمام بعده، ويحكم العقل بأن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن لا يكون في الأمة من هو أجمع منه للمحامد.
ويجب على كل المسلمين في كل عصر، إعانة من يصلح لها، من أجل حفظ بيضة الإسلام، ودفع التظالم، وإنصاف المظلومين، وإقامة الحدود، ولا يختص بذلك وقت، دون وقت (1).
ويقول إمام الحرمين الجويني: وأما نصب الإمام عند الإمكان فواجب، وقد ذهب عبد الرحمن بن كيسان (2) إلى أنه لا يجب، ويجوز ترك الناس أخيافا " (أي مختلفين)، يلتطمون ائتلافا " واختلافا "، لا يجمعهم ضابط، ولا يربط شتات