والتقية حيث يكون اليقين بأن الانتفاض لا يجدي، وخصوصا " عندما يكون المؤمن بين المخذلين، لأن الخروج عندئذ ضرره أكبر من نفعه، لا يرفع حقا "، ولا يخفض باطلا "، إذ يلقى من خرج إلى التهلكة وتكون الفتنة والفساد، ويكون الظلم والشر المستطير، إذا يقوى الظالم ويستمكن، وبهذا التقرير يكون للجهاد موضع، وللتقية مثله، وكلاهما يكون لحماية الحق، الجهاد لحمايته بإعلانه، وضرب الباطل، والتقية لحمايته بتمكين أهل الحق من الحياة، رجاء الإعلان في ميقاته المعلوم.
والثاني: وكان الأمر الثاني الذي دفع إلى التقية، هو ما رآه من استعلاء الباطل، إذا أعلن الحق، وقد ظهر ذلك في مقتل مولانا الإمام الحسين عليه السلام، وفي مقتل الأئمة: زيد بن علي ومحمد النفس الزكية وإبراهيم أخيه.
وعلى أية حال، فليس هناك من ريب في أنه كان للتقية في عصر الإمام الصادق، وما جاء بعده، وهي كانت مصلحة للشيعة، وفيها مصلحة للإسلام، لأنها كانت مانعة من الفتن المستمرة، وإن موضوعها كان إعلان التشيع، فكانت التقية أن لا يعلن المتشيع تشيعه، ولا يظهر من أعماله ما يدل على موالاته لآل الإمام علي، موالاة ولاية، لا موالاة محبة، فالمحبة كانت واضحة من بعض الشعراء، ومن بعض العلماء، ولكنها في مظهرها محبة تقدير، لا محبة ولاية، كما ظهر من محبة الفرزدق (641 - 733 م؟) لآل البيت، وكثير عزة، (ت 723 م) وكما ظهر من محبة الإمام أبي حنيفة للأئمة الكرام: زيد والباقر والصادق، فتلك كانت محبة ظاهرة، وإن لم تكن تشيعا " (1).
6 - التقية عند أهل السنة:
في الواقع أن التقية لم تكن مقصورة على الشيعة، وإنما استعملها كذلك أهل السنة، فمن المعروف أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، لما ثار ضد