وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي، القائم باليمامة (1).
ويقول ابن خلدون: أن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند وفاته، بادروا إلى بيعة أبي بكر، رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا "، دالا " على وجوب نصب الإمام.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن مدرك وجوبه العقل، وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل فيه، قالوا: وإنما وجب بالعقل لضرورة الاجتماع للبشر، واستحالة حياتهم، ووجودهم منفردين، ومن ضرورة الاجتماع التنازع لازدحام الأغراض، فما لم يكن الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهلاك البشر وانقطاعهم، مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية، وهذا المعنى هو الذي لحظه الحكماء في وجوب النبوءات في البشر، وقد نبهنا على فساده، وأن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بسطوة الملك، وقهر أهل الشوكة، أو لم يكن شرع، كما في أمم المجوس، وغيرهم ممن ليس له كتاب، أو لم تبلغه الدعوة.
أو نقول يكفي في دفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه، بحكم العقل، فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هنا، ونصب الإمام هنا غير صحيح، بل كما يكون بنصب الإمام، يكون بوجود الرؤساء وأهل الشوكة، أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم، فلا ينهض دليلهم العقلي المبني على هذه المقدمة، فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو بالشرع، وهو الإجماع الذي قدمناه.