والتعهد لما يصلحهم، وحق الرعية لازمة، وحق عليك أن تحوطهم بالنصيحة، وإني سمعت عبد الرحمن بن سمرة القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة، حرم الله عليه الجنة.
ويقول: إني ربما قبضت من عطائهم، إرادة صلاحهم واستصلاحهم، وأن يرجعوا إلى طاعتهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قبضتها على ذلك النحو، فيكتب إلي أن لا ترده، فلا أستطيع رد أمره، ولا أستطيع إنفاذ كتابه، وحق الله ألزم من حق أمير المؤمنين، والله أحق أن يطاع، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فاعرض كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله عز وجل، فإن وجدته موافقا " لكتاب الله فخذ به، وإن وجدته مخالفا " لكتاب الله فانبذه. يا ابن هبيرة:
إتق الله، فإنه يوشك أن يأتيك رسول من رب العالمين، يزيلك عن سريرك، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، فدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك، وتقدم على ربك، وتنزل على عملك.
يا ابن هبيرة: إن الله ليمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله، وإن أمر الله فوق كل أمر، وإنه لا طاعة في معصية الله، وإني أحذرك بأسه، الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
فقال ابن هبيرة: إرجع عن ظلمك أيها الشيخ، وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين، فإن أمير المؤمنين صاحب العلم، وصاحب الحكم، وصاحب الفضل، وإنما ولاه الله تعالى ما ولاه من أمر هذه الأمة، لعلمه به، وما يعلمه من فضله ونيته.
فقال الحسن: يا ابن هبيرة، الحساب من ورائك، سوط بسوط، وغضب بغضب، والله بالمرصاد، يا ابن هبيرة: إنك إن تلق من ينصح لك في دينك، ويحملك على أمر آخرتك، خير من أن تلقى رجلا " يغرك ويمنيك - فقام ابن هبيرة، وقد تبسر وجهه، وتغير لونه.