وقامت دولة بني العباس (132 - 156 ه / 750 - 1258 م)، وقد شارك في إقامتها أبناء فارس، وكان الظن ببني العباس أن يكونوا أقرب إلى الخلافة منهم إلى الملك العضوض، وخاصة فيما يتصل بآل البيت، وخابت الظنون خيبة ملأت من اليأس النفوس، وأو قرت الصدور حقدا " آنفا "، إلى حقد قديم، فمضى الملك العضوض في دولة بني العباس على الطريق نفسها، التي استنها الملك العضوض في دولة بني أمية، وراح الخلفاء في هذه الدولة يركبون متون الظنون إلى كل عظيمة، تتصل بالرعية التي أصابها الحرمان في كل مقدس، وفي ذروة ذلك كله، الأمن والطمأنينة، ووحدة الكلمة.
ومهما يكن هذا السلوك مصيبا " أو مخطئا "، ومثوبا " أو خاطئا " - على ما يختلف في ذلك المؤرخون - فليس هاهنا موضع الحكم عليه، ولا القضاء فيه، وكل ما نريد أن نقول هو: أن الحقد يذكر بالحقد، والشر يغري بالشر والمطامع عدوي.
ولما رأى المسلمون - من غير العرب - أن بني العباس كانوا يصدرون فيما يأخذون، أو يدعون، مع أبناء عمومتهم، عن عصبية قبلية، أو عن أهواء ذاتة راح زعماؤهم يفكرون في الحصول على السلطان، ولو أفضى ذلك إلى تقويض دولة بني العباس.
ولم يكن من اليسير أن تدعو أية عصبية غير عربية إلى نفسها، دعوة صريحة، فاتخذوا من آل البيت وسيلة إلى غايات بعيدة المدى، كثيفة الحجاب، والتف من حول هذه الدعوات كثيرون، بعضهم يدفعه إلى ذلك حب آل البيت، ورغبة في الانتصاف لهم، وبعضهم يدفعه حقد دفين، وغيظ كظيم، فهاجت الفتن هياجا " شديدا "، واستوعبت كثيرا " من أهل السياسة، وأهل العلم، فضلا " عن الأدباء والشعراء.
وفي نفس الوقت كانت الدولة العباسية تخبط خبط عشواء، فحينا " تصادف حقا "، وأحيانا " تواقع باطلا "، حتى انتكث فتلها، وأجهز عليها عملها، وقامت