1 - فأما عصبية العروق: فإنها فطرة في النفس الإنسانية، ومن أجل هذا لم يقاومها الإسلام، مقاومة تقضي عليها، وإنما كان شأنه معها، كشأنه مع سائر الأمور الفطرية، يقوم فيها ما أعوج، وينهنه منها ما غلا، وشاهد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتسنم الشرف من بيته وقبيلته وقومه، وذلك حيث يقول:
إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا " من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم (1).
فالاعتزاز بالعصبية فطرة لم يقاومها الإسلام، وإنما قاوم الظلم الناجم عنها، حتى تستقيم الحياة على ما ينفع الناس.
غير أن العرب - بما فيهم من فضائل فطرية، ظاهرتها فضائل الدين - لم يستطيعوا الاحتفاظ طويلا " بهضم نفوسهم، وقهر شهواتهم، فنزعوا إلى الاستعلاء بالعروق، والاستطالة بالأنساب، فلما مهد الإسلام لهم سبل النعمة، ومكن لهم من السلطان، استغلظت بينهم الفتن، وضرب بعضهم رقاب بعض، حتى خيم عليهم الفناء، وكانت السنة المألوفة في صدر الإسلام، أن تكون كتائب الجيش من القبائل العربية، وأن يكون أمراؤها من ساداتها.
ثم كان الملك العضوض يتربص الدوائر بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الطاهرين المطهرين، ضربا " بالسيوف، وقعصا " بالرماح، وصلبا " على الأعواد، يحدث ذلك كله - ويا للعجب - بين أسماع الأمة وأبصارها.
ولم تكن عصبيات العروق قد ماتت في أنفس المسلمين، من غير العرب، فبدأت تستيقظ عاقدة آملة، وأعتى الشرور، شر يزحف مدفوعا " بالحقد مزودا " بالأمل، وأي أمل آمل من آل البيت، يتخذهم الطامعون في السلطان، مسعر فتنة، كما اتخذ بنو أمية وتباعهم - أول عهد دولتهم بالحياة - قميص عثمان لسان فتنة، لا يجاريه في فصاحته وبيانه لسان.