هذا فضلا " عن أن معاوية بن أبي سفيان نفسه، إنما كان يقول عن نفسه أنا أول الملوك، هذا فضلا " عن أن الجملة التي ينسبها أنصار معاوية و مريدوه إلى عبد الله بن عباس، على أنها مديح لمعاوية. لا تعدو وصفه بالملك، وليس الخليفة، وهي قوله: ما رأيت رجلا " كان أخلق بالملك من معاوية (1).
أضف إلى ذلك كله، أن القاضي أبا بكر بن العربي (468 - 543 ه)، والذي كتب كتابه العواصم من القواصم للدفاع عن معاوية وبني أمية، إنما يتحدث فيه عن مراتب الولاية، على أنها: خلافة ثم ملك، فتكون ولاية الخلافة للأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية (2).
وعلى أية حال، فإن المؤرخين إنما يذهبون إلى أن معاوية بن أبي سفيان إنما قد أحاط نفسه بكل مظاهر الملك، فقد لازم الخلافة الإسلامية في عهده طابع سياسي، أكثر منه دينيا "، وأصبحت كلمة ملك - بمعنى الحاكم المطلق (أوتوقراطي) - يطلقها المؤرخون عليه، وعلى خلفائه من حكام بني أمية، وهو نفسه الذي قال: أنا أول الملوك.
وقد استحدث معاوية أمورا " لم تعرفها من قبل خلافة الراشدين، فبنى لنفسه قصرا " في دمشق سماه الخضراء، وهو قصر ضخم، أراد به معاوية أن ينافس قصور الرومان، وكان أبو ذر الغفاري - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينكر على معاوية أمورا " كثيرة، قال أبو ذر: لقد حدثت أعمالا " لا أعرفها، والله ما هي في كتاب، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله إني لأرى حقا " يطفأ، وباطلا " يحيا، وصادقا " مكذبا "، وأثرة بغير تقى.
وأراد معاوية أن يتلطف إلى أبي ذر، ويتقرب إليه، فدعاه إلى قصره