وربما يصدر من جهتهم التصريح بالتصويب في الآراء، وفي هذا دلالة قاطعة من إجماعهم على أنه ليس هناك حكم معين هو شوف المجتهد ومقصده ومقصد نظره، وإنما هي كلها آراء صائبة وظنون صادقة على تحصيل مراد الله في الحادثة، وهذا المسلك يدريه من مارس طرفا من سير الصحابة رضي الله عنهم وما كان منهم من الفتاوى في التحليل والتحريم، وإصدار القضايا عن الآراء الصائبة، فعند ذلك نعلم قطعا ويقينا صحة ما ادعيناه من تصويب الآراء والاجتهادية في جميع الحوادث التي لا نص فيها، ولنقتصر على هذا القدر من الدلالة ففيه مقنع وكفاية.
التقرير الثاني: في بيان المختار في الأشبه من الاجتهاد إعلم أن جماعة من المصوبة زعموا - مع القول بكون الآراء صائبة في الاجتهاد - أن فيها أشبه على معنى أن الله تعالى لو نص على الحادثة لما نص إلا عليه، وعلى معنى أنه الأجزل ثوابا عند الله تعالى، وهو محكي عن جماعة من الحنفية منهم: أبو الحسن الكرخي، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومروي عن الشافعي. والمختار عندنا أنه لا معنى للأشبه، وأن جميع الآراء في تلك الحادثة كلها أشبه إلى قائله، وأنها كلها مقصودة لله، وإنما تقوى وتضعف بحسب قوة الأمارة وضعفها، وهذا هو رأي أهل التحقيق من المصوبة: أئمة الزيدية، والجماهير من المعتزلة: أبي علي، وأبي هاشم، وأبي الهذيل.