وهي من العلوم العقلية التي لا يجوز خلافها فإثبات متوسط باطل بالضرورة. وإنما قلنا: إنه يستحيل أن عليه من الله دلالة منصوبة فلأنها لو نصبها لكانت ظاهرة لكل من قصدها كسائر الأدلة الظاهرة العقلية والنقلية، والمعلوم باطراد العادة وجريانها أن مثل ذلك لم ينقل ولا له أثر، وفي هذا دلالة على أنه ما كان، ولو كان لنقل كما نقل ما هو أخفى منه وأدق، وإنما قلنا: إنه يستحيل أن لا ينصب الله عليه دلالة فلأنه لو كلف به في عير أن ينصب عليه دلالة لكان تكليفا بما لا يعلم وهو قبيح. فتقرر بما ذكرناه فساد القسمين اللذين فصلناهما، وهما نصب الأدلة عليها وعدم نصبها، ويلزم من بطلانهما بطلان أن يكون هناك حكم معين في الحادثة، وهو المطلوب.
المسلك الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم ما زالوا مجتهدين في الحوادث التي ليس عليها دلالة من جهة الكتاب ولا من ظواهر السنة في الفتاوى والأقضية، والوقائع غضة طرية على ممر الأزمنة وتكرر الأعصار و ما برحوا مختلفين في الفتاوى والأحكام التي يصدرونها عن أنظارهم، وتفترق بهم المجالس عن المخالفة في الآراء، وكل واحد منهم مصوب لما قاله الآخر غير منكر عليه في رأيه واجتهاده، ولو كان في الواقعة حكم معين لطلبوه، ولجدوا في طلبه وتحصيله، وما سمع عن واحد منهم أنه قال لصاحبه: هذا خلاف حكم الله، وحكم الله شئ آخر غير ما ذهبت إليه، بل من حكم بقضية وأبرمها، فلا اعتراض عليه بحال، ويتشددون في التحرز عن بعض القضايا الصادرة عن الأحكام مع مخالفة الآراء، بل