ومنهم من قال: عليه دلالة ظنية. ومنهم من غلا وقال: إن عليه دلالة قاطعة فهذه أقوال المخطئة على ما ترى.
وهذه نبذة من الخلاف في الآراء في المسائل الخلافية، قد أشرنا إليها على جهة التنبيه والإجمال، وتفاصيلها محال على الكتب الأصولية.
فلنذكر المختار في التصويب ثم نردفه بذكر المختار في حكم الأشبه فهذان تقريريان نذكر ما يتوجه في كل واحد منهما بمعونة الله.
التقرير الأول: في بيان المختار في التصويب للآراء في الاجتهاد.
والذي نرتضيه هو ما قاله أصحابنا والمعتزلة وذهب إليه محققوا الأشعرية والفقهاء، وهو أن الواقعة ليس فيها لله حكم معين، وإنما هو يكون على نظر المجتهد ورأيه، فإذا نزلت به الحادثة، وأعمل فيها نظره، وأتعب فيها فكره، وسأل من الله تعالى توفيقا وتسديدا لإصابة الحق، وكان جامعا لعلوم الاجتهاد محرزا لها على شروطها المعتبرة التي فصلناها في الكتب الأصولية، فإنه متى أدى نظره إلى حكم من الأحكام في تحليل أو تحريم أو غيرهما من سائر الأحكام الشرعية العملية. فإن ما هذا حاله يكون حقا وصوابا عند الله تعالى، والبرهان على ما قلنا يتضح بمسلكين:
المسلك الأول منهما: أنا نقول - لمن زعم أن في الواقعة حكما معينا هو مقصود لله ومطلوب -: لو كان الأمر كما زعموه من تعينه لكان لا يخلو الحال فيه إما أن ينصب الله عليه دلالة أو لا ينصب، والقسمان باطلان، فيجب القضاء ببطلان كونه معينا. وإنما قلنا: إنه لا يخلو من الوجهين فلأنها قسمة دائرة بين النفي والإثبات، فلا واسطة بينهما،