وقرأ عمدة الأحكام بحثا على السعد ابن الديري، وأذن له في التدريس هو والبامي والجوجري، وفيه وفي الافتاء الشهاب السارمساجي بعد امتحانه له في مسائل ومذاكرته معه، وفيهما أيضا زكريا وكذا المحلي والمناوي.
ثم إنه استوطن القاهرة، وكنت هناك فكثر اجتماعنا، وكتب بخطه مصنفي الابتهاج وسمعه مني، وكذا سمع مني غيره من تصانيفي، وكان على خير كبير وفارقه بمكة بعد أن حججنا، ثم توجه منها إلى طيبة فقطنها من سنة ثلاث وسبعين، ولازم وهو فيها الشهاب الأبشيطي وحضر دروسه، وأكثر من السماع هناك على أبي الفرج المراغي، بل قرأ على العفيف عبد الله بن القاضي ناصر الدين ابن صالح أشياء بالإجازة، وألبسه خرقة التصوف بلباسه من عمر الأعرابي، وكذا كان سمع بمكة على كمالية ابنة محمد بن أبي بكر المرجاني، وشقيقها الكمال أبي الفضل محمد والنجم عمر بن فهد في آخرين.
وصنف في مسألة فرش البسط المنقوشة، ردا على من نازعه، وقرض له أئمة القاهرة، وكذا عمل للمدينة النبوية تاريخا، وكذا ألف غير ما ذكر، ومن ذلك حاشيته على الايضاح للنووي في المناسك.
وبالجملة فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين، مديم للعمل والجمع والتأليف، متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة على ذلك طلق العبارة فيه، مغرم به، مع قوة نفس وتكلف، خصوصا في مناقشات لشيخنا في الحديث ونحوه ".
وأضاف تلميذه جار الله في ذيله أقول: " وبعد المؤلف عاش نحو عشر سنين وصار مجمعا عليه فيما يقوله ويؤلفه، واجتمعت به رفقة والدي في عام تسع وتسعمائة بالمدينة، وسمعت عليه تاريخه (الوفا) وفتاواه المجموعة وغيرهما من كتب الحديث، وأجاز لي روايتها فاغتبطت.. ومات يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة عام إحدى عشرة وتسعمائة.. ولم يخلف بالمدينة مثله ".