وأما مكة المكرمة فقد عاش فيها الإمام منذ ولادته حتى الهجرة، وسافر إليها بعد الاستيطان بالمدينة مرات عديدة، ولا ريب في أخذ أهل مكة العلم منه في خلال هذه المدة.
على أن تلميذه الخاص - وهو عبد الله بن العباس - كان بمكة مدة مدية ينشر العلم، ويفسر القرآن، ويعلم المناسك، ويدرس الفقه:
قال الذهبي بترجمته من (تذكرة الحفاظ): " الأعمش عن أبي وائل قال: استعمل علي ابن عباس على الحج فخطب يومئذ خطبة لو سمعها الترك والروم لا سلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسرها ".
وفي (طبقات ابن سعد) عن عائشة: " إنها نظرت إلى ابن عباس ومعه الخلق ليالي الحج وهو يسأل عن المناسك. فقالت: هو أعلم من بقي بالمناسك ".
وفي (الاستيعاب) بترجمته: " روينا إن عبد الله بن صفوان مر يوما بدار عبد الله بن عباس بمكة فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه.. ".
وقد اعترف ابن تيمية نفسه بهذه الحقيقة.. ففي (الاتقان للسيوطي): " قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم ".
وأما الشام: فقد انتشر العلم فيه عن أبي الدرداء، وهو تلميذ عبد الله بن مسعود، وابن مسعود من تلامذة الإمام، فانتهى إليه عليه السلام علم أهل الشام.. روى الحافظ محب الدين الطبري في (الرياض النضرة): " عن أبي الزعراء عن عبد الله قال: علماء الأرض ثلاثة: عالم بالشام وعالم بالحجاز وعالم بالعراق فأما عالم أهل الشام فهو أبو الدرداء، وأما عالم أهل الحجاز فعلي بن أبي طالب، وأما عالم أهل العراق فأخ لكم. وعالم أهل الشام وعالم أهل العراق يحتاجان إلى عالم أهل الحجاز، وعالم أهل الحجاز لا يحتاج إليهما.
أخرجه الحضرمي ".