قلنا: لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الأيدي وهي محدودة على الوجوه وهي غير محدودة في وجود ذلك، وصحة اتفاق الوجوه والأيدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الأرجل على الرؤوس، واتفاقهما في الحكم وإن اختلفا في التحديد.
على أن هذا أشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم، لأن الله تعالى ذكر عضوا ممسوحا غير محدود، وهو الرأس، وعطفه عليه من الأرجل بممسوح محدود، فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول غير محدود وممسوح محدود على ممسوح غير محدود.
فأما من ذهب إلى التخيير وقال: أنا مخير في أن أمسح الرجلين وأغسلهما، لأن القراءتين تدل على الأمرين كليهما، مثل الحسن البصري، والجبائي، ومحمد ابن جرير الطبري ومن وافقهم، فيسقط قولهم بما قدمناه من أن القراءتين لا يصح أن تدلا إلا على المسح، وأنه لا حجة لمن ذهب إلى الغسل، وإذا وجب المسح بطل التخيير.
وقد احتج الخصوم لمذهبهم من طريق القياس، فقالوا: إن الأرجل عضو يجب فيه الدية، أمرنا بإيصال الماء إليه، فوجب أن يكون مغسولا كاليدين.
وهذا احتجاج باطل، وقياس فاسد، لأن الرأس عضو يجب فيه الدية، وقد أمرنا بإيصال الماء إليه، وهو مع ذلك ممسوح، ولو تركنا والقياس، لكان لنا منه حجة، هي أولى من حجتهم، وهي أن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى، يسقط حكمه في التيمم، فوجب أن يكون فرضه المسح دليله القياس على الرأس.
فإن قالوا: هذا ينتقض عليكم بالجنب، لأن غسل جميع بدنه وأعضائه يسقط في التيمم وفرضه مع ذلك الغسل.