لتعلم أنه ما سار عليها الخلف إلا عصبية لما قاله أسلافهم!
وإذا قيل إن الله تعالى لطيف بعباده فهو يفعل ما يقربهم إلى طاعته ويبعدهم عن المعاصي - لا إلى حد الإلجاء، بل لأجل التقريب والتمكين والتيسير - خالفوا في ذلك أيضا وقالوا: لا يجب على الله فعل شئ يقرب العباد إلى طاعته أو يبعدهم عن معصيته! ثم احتجوا بما يدل على اللجاج والسطحية، فقالوا: لو وجب اللطف لما بقي كافر ولا فاسق (1)!! هذا، وهم ينقلون عن أصحاب الحق القائلين باللطف أنهم لا يعنون باللطف حد الإلجاء والقهر، وإنما هو (اللطف المقرب إلى الطاعة) مثله مثل الباب تفتح لدخول الدار، فلا يقول عاقل أن الباب لو فتحت لما بقي أحد خارج الدار إلا ودخلها!! فبين الأمرين فرق شاسع لا يخفى على عاقل وإن خفي على مقلد متعصب همه التقليد لا غير.
والذي صرفهم إلى كل هذا هو قضية الإمامة أيضا، فكل دين وعقيدة ونص يقدح بأولئك المتغلبين على منصب الإمامة، فعليهم أن يردوه ويكذبوا به دفاعا عن أولئك الأمراء الخلفاء، لا غير! فهم يعلمون أن الإيمان بأن الله تعالى لطيف بعباده يفتح أمامهم الأبواب إلى طاعته، فبعث الأنبياء لطفا ليتوصل العباد إلى معرفته وطاعته، وجعل من ورائهم أوصياء يحملون رسالتهم يبلغونها حق تبليغها، إذ لا يخفى عليهم شئ من علومها وأحكامها، وكما فعل مع تلك الأمم فهو فعال مع خير الأمم، أمة خاتم النبيين، فاصطفى منها أوصياء ليكونوا الأمناء على هذا الدين وعلى الأمة بعد نبيها الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.