اليوم الأخير من حياتها وكأنها تتماثل للشفاء، فقد قامت من فراشها وغسلت ولديها الحسن والحسين عليهما السلام، وألبستهما ثيابهما، ثم طلبت منهما أن يزورا قبر جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم مما بدا عليها من تحسن في صحتها ونشاطها، إلا أنها كانت تستعد للرحيل، وتسرع الخطى للحاق بأبيها صلى الله عليه وآله، فطلبت من أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تحضر لها ماء لتغتسل به... فاغتسلت، ولبست أحسن ثيابها.
وعندما أحست بالأجل يدنو، وبأنها تنعى إلى نفسها طلبت من أسماء أن تضع لها فراشا وسط البيت، فاضطجعت في فراشها، وهي مستقبلة القبلة.
ثم دعت أسماء وأم أيمن، وطلبت إحضار علي بن أبي طالب عليه السلام، فحضر علي عليه السلام، فقالت: " يا ابن العم، إنه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي ".
فقال لها علي عليه السلام: " أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله "، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت.
ثم قالت عليها السلام: " يا ابن العم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال عليه السلام: معاذ الله، أنت أعلم، وأبر، وأتقى، وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأحزنها؟ هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها ".