لا شك أن ذلك منه لأغراض دنيوية، ودون ما يظهره من التمسك بالحديث المشهور المصرح: " بأن من مات وليس بعنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".
لأن بيعة فاسق كيزيد ليست بجائزة كما لا يخفى.
والذي أظنه أن ابن عمر إنما امتنع عن بيعة يزيد أولا لقرب عهده بالنبي صلى الله عليه وآله، ونزول الوحي.
فإن الأحاديث النبوية الذهبية كانت لا تزال في ذلك العهد ترن في آذانه، وكانت الحكم والمواعظ والحقائق لا تزال شاخصة أمام بصره تبغضه ببيعة يزيد وأبيه، وتصور له فضاعة الدعوة له، أما وقد بعد العهد، وكثرت الفتن، وتتابعت الخطوب، فقد ضعفت تلك العقيدة الدينية، وتحولت بنظره الأشياء، حتى آل الأمر أن جعلت بيعة يزيد - وهي التي كانت يومذاك بنظره موجبة لرخص الدين - بيعة لازمة في عنقه، يجب الإقرار بها: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (1).
وإن شخصا هذه نفسيته، وهذا مبلغ تدينه، لا نستطيع - والحالة هذه - أن نعول على أحاديثه، ونأخذ بآرائه ونظرياته، على أن كثيرا من رواياته خرافية وصريحة الكذب.
روى البخاري، عن عبد الله بن عمر، قال: ارتقيت فوق بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله يقضي حاجته، مستدبرا القبلة، مستقبل