الأمر بين الأمرين - مركز الرسالة - الصفحة ٩٠
* (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * (الرعد 13: 11) وبهذه الصورة نرى أن الله تعالى مكن الانسان أن يمارس اختياره وحريته في وسط نظام محكم ومتقن من القضاء والقدر في الحياة الاجتماعية وفي الكون. فلا يضر الاختيار بحتمية القضاء والقدر ولا يمس القضاء والقدر من حرية الانسان في الاختيار على الإطلاق. وإلى هذا المعنى الدقيق يشير حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الشيخ الذي سأله عن مسيرهم إلى أهل الشام بعد منصرفه من صفين. وقد قدمنا هذا الحديث في النقطة الأولى من هذه النقاط. ففي بدء الحديث يقول له الإمام (عليه السلام): ى أجل يا شيخ ما علوتم من تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ي وهذه الفقرة واضحة أنهم في خروجهم إلى صفين ومحاربتهم لمعاوية وعودتهم إلى الكوفة، كانوا يتحركون في دائرة القضاء والقدر ولم يخرجوا من دائرة القضاء والقدر إطلاقا.
فلما فهم الشيخ من كلام الإمام (عليه السلام) إن هذه الحتمية (القضاء) كان في مرحلتي المبادئ والنتائج معا، وأنهم لم يملكوا من أمرهم شيئا في هذه المرحلة الطويلة، فقال: (عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين) وضح له الإمام (عليه السلام) ما اشتبه عليه من الأمر فقال: ى أتظن قضاء حتما وقدرا لازما؟! لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي... إن الله تعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا ي.
إن القضاء والقدر لن يكون إلا حتما ومقدرا بصورة دقيقة، ولكن الذي يملك الاختيار في المبادئ يملك الاختيار في النتائج بالضرورة. فإن النتائج تتبع المبادئ، فإذا مكن الله الانسان من المبادئ مكنه من النتائج أيضا، وإن احتفظت النتائج بصفتها الحتمية والمقدرة في ظروفها
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المركز 5
2 مقدمة الكتاب 9
3 الفصل الأول الحتمية التأريخية والحتمية الكونية 13
4 النتائج السلبية لهاتين الحتميتين 15
5 الاستغلال السياسي للحتمية التأريخية 15
6 بنو أمية والحتمية السلوكية والتأريخية 16
7 الاستغلال السياسي للحتمية الثانية 17
8 العلاقة بين الحتميتين 19
9 موقف القرآن من هاتين الحتميتين 21
10 موقف أهل البيت عليهم السلام من هاتين الحتميتين 23
11 الحتمية الأولى 24
12 الحتميات الإلهية في سلوك الانسان 25
13 أصل الكسب 26
14 مناقشة أصل الكسب 28
15 الحتميات المادية المعاصرة 29
16 نقد الحتمية التأريخية 31
17 الاستغلال السياسي للحتمية 33
18 التفويض 35
19 الفصل الثاني موقف القرآن من مسألة (الحتمية) و (استغلال الانسان) 39
20 1 - مبدأ حرية الاختيار في القرآن 39
21 2 - نفي التفويض واستغلال الانسان في القرآن 45
22 الفصل الثالث مذهب أهل البيت عليهم السلام (الامر بين الامرين) 51
23 تفسير الامر بين الامرين 52
24 السبب الذي صرف العلماء عن (الامر بين الامرين) 52
25 الاختيار ليس مساوقا للاستقلال 54
26 تفسير علماء مدرسة أهل البيت (الامر بين الامرين) 55
27 التنظير الفلسفي لارتباط الانسان بالله تعالى حدوثا وبقاء 55
28 مناهج علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام لتفسير (الامر بين الامرين) 57
29 تقرير وشرح لنظرية (الامر بين الامرين) 58
30 المثال الذي استعان به المحقق السيد الخوئي لتوضيح الامر 59
31 رأي الشيخ المفيد 60
32 1 - رفض نسبة أفعال الناس إلى الله 60
33 2 - نفي استقلال الانسان في أفعاله 65
34 الفصل الرابع أهل البيت عليهم السلام في موقع الدفاع عن (التوحيد) و (العدل) 73
35 1 - نظام القضاء والقدر في الكون 73
36 2 - القضاء والقدر هو النظام الإلهي في الكون وحياة الانسان 76
37 3 - القيمومة الإلهية الدائمة على نظام القضاء والقدر في الكون 78
38 4 - تتم المعاصي من الناس بقضاء الله وقدره ولا يعصى مغلوبا 80
39 5 - التفكيك بين إرادة الله التكوينية والتشريعية 85
40 6 - حرية الاختيار لدى الانسان داخل الدائرة الحتمية للقضاء والقدر 88
41 7 - مسؤولية الانسان في فعله 93
42 8 - الهيمنة الإلهية على حركة القضاء والقدر في الكون والتأريخ 94
43 9 - قانون الامداد والخذلان الإلهي في حياة الناس 96
44 الخاتمة 99