* (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) * (الرعد 13: 11) وبهذه الصورة نرى أن الله تعالى مكن الانسان أن يمارس اختياره وحريته في وسط نظام محكم ومتقن من القضاء والقدر في الحياة الاجتماعية وفي الكون. فلا يضر الاختيار بحتمية القضاء والقدر ولا يمس القضاء والقدر من حرية الانسان في الاختيار على الإطلاق. وإلى هذا المعنى الدقيق يشير حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الشيخ الذي سأله عن مسيرهم إلى أهل الشام بعد منصرفه من صفين. وقد قدمنا هذا الحديث في النقطة الأولى من هذه النقاط. ففي بدء الحديث يقول له الإمام (عليه السلام): ى أجل يا شيخ ما علوتم من تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ي وهذه الفقرة واضحة أنهم في خروجهم إلى صفين ومحاربتهم لمعاوية وعودتهم إلى الكوفة، كانوا يتحركون في دائرة القضاء والقدر ولم يخرجوا من دائرة القضاء والقدر إطلاقا.
فلما فهم الشيخ من كلام الإمام (عليه السلام) إن هذه الحتمية (القضاء) كان في مرحلتي المبادئ والنتائج معا، وأنهم لم يملكوا من أمرهم شيئا في هذه المرحلة الطويلة، فقال: (عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين) وضح له الإمام (عليه السلام) ما اشتبه عليه من الأمر فقال: ى أتظن قضاء حتما وقدرا لازما؟! لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي... إن الله تعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا ي.
إن القضاء والقدر لن يكون إلا حتما ومقدرا بصورة دقيقة، ولكن الذي يملك الاختيار في المبادئ يملك الاختيار في النتائج بالضرورة. فإن النتائج تتبع المبادئ، فإذا مكن الله الانسان من المبادئ مكنه من النتائج أيضا، وإن احتفظت النتائج بصفتها الحتمية والمقدرة في ظروفها