الأشاعرة والمعتزلة في التاريخ.
يقول ابن الخياط: إن هشام بن عبد الملك لما بلغه قول غيلان (الدمشقي) بالاختيار، قال: ويحك يا غيلان! لقد أكثر الناس فيك، فنازعنا في أمرك، فإن كان حقا اتبعناك. فاستدعى هشام ميمون بن مروان ليكلمه، فقال له غيلان: أشاء الله أن يعصى؟ فأجابه ميمون: أفعصي كارها؟ فسكت غيلان، فقطع هشام بن عبد الملك يديه ورجليه (1).
وقيل إن (غيلان الدمشقي) الذي كان يذهب مذهب الاختيار وقف على رأس (ربيعة الرأي) الذي كان يذهب مذهب (الجبر) في القضاء والقدر. فقال: أنت الذي يزعم أن الله يحب أن يعصى؟
فقال له ربيعة: أنت الذي يزعم أن الله يعصى قهرا (2)؟.
وتنحل هذه العقدة العجيبة بالتفكيك بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، وهو ما صنعه أهل البيت (عليهم السلام) في حل هذه المشكلة، ولربما لأول مرة في التاريخ العقلي الإسلامي. وعندئذ يكون جواب غيلان لميمون بن مروان أو لربيعة الرأي واضحا، ولن يطول تردده طويلا في الإجابة القاطعة على هذا التساؤل الغريب.
والجواب: إن الله لا يعصى كارها ولا مقهورا، إذا كان المقصود من الكراهية والقهر (الإرادة التكوينية) وإنما يعصى بإرادته سبحانه وتعالى من دون كراهية وقهر كما بينا ذلك بوضوح في الفقرة السابقة.