نقد الحتمية التاريخية:
ومهما يكن من أمر هذه الحتميات المادية في تفسير التاريخ، فإن منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة الواردة في النظرية.
أما الحق فهو ربط التاريخ بالقوانين العلمية والعلل والأسباب التي تستوجب حركة التاريخ.
والحدث التاريخي - كأي ظاهرة أخرى في الكون - يخضع للأسباب والعلل الموجبة له. إذن قانون العلية يحكم الحدث التاريخي كما يحكم الظاهرة الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية بشكل دقيق في كل أصولها العقلية المعروفة كالحتمية والسنخية وغير ذلك.
وهذا هو الحق ولا يمكن التشكيك فيه، عدا النظرية الماركسية التي تنفي قانون العلية رأسا وتضع محلها النظرية المادية الديالكتيكية التي اقتبستها من (هيگل).
أما الباطل في هذه النظريات فهو نفي الإنسان وقراره المستقل في صناعة التاريخ، واعتبار الانسان خشبة عائمة على أمواج التاريخ القهرية، وتقرير مصير واحد للتاريخ والانسان، لا يتعدد، ولا يختلف. وهذا باطل بالتأكيد، فإن الانسان (الفرد، والمجتمع، والتاريخ) لا يقع على طريق علة واحدة فقط، وإنما على مفترق طرق غالبا، واختيار نوع الطريق يرتبط بإرادته ووعيه وثقافته وقراره إلى حد كبير جدا، فإذا سلك أحد هذه الطرق بموجب إرادته وقراره ورأيه لم يكن له أن يتخلص من الآثار القهرية