اليمين، فإن نكث ولم يف كان لكفيله أن يؤدبه، ففي نكث اليمين، إهانة وإزراء بساحة العزة.
ثم إنه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثا، قال:
(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدل قوة أنكاثا) مشيرا إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر، ثم تنقض ما غزلته، وقد عرفت في قوله ب " الحمقاء " فكذلك حال من أبرم عهدا مع الله وباسمه ثم يقدم على نقضه، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.
ثم إنه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين، ويقول إن الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أولا، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعا مما عهد له ولصالحه ثانيا، يقول سبحانه: (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) فقوله " أربى " من الربا بمعنى الزيادة، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه، كما يقول سبحانه: (إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون).
أي أن ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به، وأقسم ليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هو المهتدي. (1)