وبذلك يعلم أن الدعوة على قسمين: دعوة حقة ودعوة باطلة، فالحقة لله ودعوة غيره دعوة باطلة، أما لأنه لا يسمع ولا يريد، أو يسمع ولا يقدر. وأشار إلى القسم الباطل بقوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ)، وقد عرفت وجه عدم الاستجابة.
ثم إنه سبحانه استثنى صورة واحدة من عدم الاستجابة، لكنه استثناء صوري وهو في الحقيقة تأكيد لعدم الاستجابة، وقال: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه).
فدعوة الأصنام والأوثان وطلب الحاجة منهم، أشبه بحال الظمآن البعيد من الماء كالجالس على حافة البئر والباسط كفه داخل البئر ليبلغ الماء فاه، مع البون البعيد بينه وبين الماء.
قال الطبرسي: هذا مثل ضربه الله لكل من عبد غير الله ودعاه رجاء أن ينفعه، فإن مثله كمثل رجل بسط كفيه إلى الماء من مكان بعيد ليتناوله ويسكن به غلته، وذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة بينهما، فكذلك ما كان يعبده المشركون من الأصنام لا يصل نفعها إليهم ولا يستجيب دعاءهم. (1) وربما تفسر الآية بوجه آخر، ويقال: لا يستجيبون إلا استجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. (2) والظاهر رجحان الوجه الأول، لأن الآلهة بين جماد لا يشعر أو ملك أو