الإمام على (ع) فى آراء الخلفاء - الشيخ مهدي فقيه إيماني - الصفحة ١٤
من ضروريات الدين، ومن جانب آخر فإنه لم تنطبق عليهم الأحاديث المروية في صحاح القوم ومسانيدهم التي تبين وتقصر عدد الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله على أنهم اثني عشر إماما (1) ولذلك ترى أن طائفة كبيرة من المسلمين أعلنوا براءتهم من أولئك
(١) حديث الأئمة من قريش وأن عددهم كعدة نقباء بني إسرائيل وإنهم اثنا عشر خليفة وأمير حديث متواتر رواه عدة من الصحابة، وأخرجه الكثير من أرباب الصحاح والسنن والمسانيد والتواريخ خاصة الصحيحان اللذان هما أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن.
وهذا الحديث حيث إنه ثابت الصدور والصحة لقي من العناية أعلاها، وأجمع الحفاظ على تواتره، واهتم العلماء سنة وشيعة بتخريجه وتحريره، إلا أنه أصبح معضلة ومأساة لعلماء السنة سلفا وخلفا، ولذلك ترى الاضطراب واضح في تفسيرهم للحديث وحالة الحيرة والتذبذب بينة فيهم لعدم توفيقهم لبيان المعنى المراد من الحديث والأئمة القرشيين الاثني عشر المعنيين في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى أن بعض من لم يحط علما بالأخبار والأحاديث نفى صدوره عن النبي وتخرص بأن هذا الحديث من موضوعات الشيعة.
ولكي تستلهم علما بالخبر وتحط بالحديث فهما نذكر لك المصادر المعتبرة عند القوم ومن ثم نشير إلى الاضطرابات التي حصلت عندهم في تفسير هذه الأحاديث وتعريفهم للخلفاء المعنيين. وقبل كل ذلك نشير إلى بعض نصوص هذه الأحاديث:
قال صلى الله عليه وآله: يكون بعدي اثنا عشر أميرا... كلهم من قريش.
وقال صلى الله عليه وآله: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
وقال صلى الله عليه وآله: لن يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها.
وغير ذلك من النصوص.
وأما الذين أخرجوا هذه الأحاديث فكثيرون نشير إلى أسماء أهمهم فقط:
البخاري في صحيحه ٩: ١٠١ كتاب الأحكام باب الاستخلاف.
مسلم في صحيحه ٣: ١٤٥٢ كتاب الإمارة باب " ١ " باب الناس تبع لقريش...
ح ١٨٢١ - ١٨٢٢ وفيه ٨ أحاديث.
الترمذي في سننه ٤: ٤٣٤ باب " ٤٦ " ح ٢٢٢٣.
أبو داود في سننه ٤: ١٠٦ ح ٤٢٧٩ - ٤٢٨٠.
أحمد بن حنبل في مسنده ٥: ٩٠ عن جابر بن سمرة ضمن ٣٣ حديث.
أبو نعيم في حلية الأولياء ٤: ٣٣٣.
الطيالسي في مسنده: ١٠٥ ح ٧٦٧.
السيوطي في تاريخ الخلفاء: ١٠ - ١١.
وفحوى هذه النصوص يدل على أن هؤلاء الأئمة والخلفاء يأتون على التوالي، وأنهم باقون ما بقيت الدنيا، وببقائهم استقرت الدنيا ولولا هم لماجت بأهلها...
ولقد حار علماء السنة واضطربت أقوالهم في بيان وتفسير معنى هذه الأحاديث التي أخرجها أئمة الحديث والحفاظ حتى أنك لو سألت أحدهم عن أسماء هؤلاء الاثني عشر المعنيين لرأيت العجاب وسمعت الصعاب لما تسمع وترى في كلامه مما يضحك الثكلى.
قال الحفاظ أبو العباس القرطبي: وقد اختلف فيهم على ثلاثة أقوال:
أحدها: إنهم خلفاء العدل كالخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولا بد من ظهور من يتنزل منزلتهم في إظهار الحق والعدل حتى يكمل ذلك العدد - ١٢ - وهو أولى الأقوال.
ثانيها: إشارة إلى مدة ولاية بني أمية وعدد القائل ملوكهم فقال: أولهم يزيد بن معاوية، ثم اتبعه معاوية بن يزيد، وقال: ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير، ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد بن يزيد، ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم، ثم مروان بن محمد، فهؤلاء اثنا عشر، ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس.
ثالثها: إن هذا خبر عن اثني عشر خليفة من قريش يجتمعون في زمان واحد في آفاق مختلفة كما وقع، فقد كان بالأندلس منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين ستة كلهم يدعيها ويلقب بها ومعهم صاحب مصر وخليفة بغداد.
ثم قال القرطبي: والأول أولاها لبعده عن الاعتراض. (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤: ٨ و ٩ شرح ح ١٣٩٨).
وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود:
وأما الخلفاء الاثنا عشر فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره: إن آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذكر الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبد الملك بن مروان ابنه، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز. وقال أيضا: فالتحقيق في هذه المسألة أن يعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربعة وعمر بن عبد العزيز والوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد الخلفاء الأربعة الراشدين.
وقال: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام هذا العدد قبل الساعة. (عون المعبود ١١: ٣٦٢ - ٣٦٦، الاحسان في تقريب صحيح ابن حبان ١٥: ٣٦ ح ٦٦٥٧).
وقال مفسر القوم ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: (وبعثنا منهم اثنا عشر نقيبا) (المائدة: ١٢) بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين...: ومعنى الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نسق واحد وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند بعض الأئمة، وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره.
ثم قال: وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم. (تفسير ابن كثير ٢: ٣٤).
وقال السيوطي: فقد وجد من الاثني عشر خليفة، الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر لما أوتي من العدل وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وآله (تاريخ الخلفاء: ١٢).
أقول: أين الثاني عشر يا جلال الدين، لا بد إنك لو كنت حيا في القرن الثاني عشر لعينت الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه المنتظر الثاني عشر حتى يتم العدد.
وهناك علماء وحفاظ قاموا بتوجيه هذه الأحاديث وتبريرها وحاولوا تفسير وتطبيق الأحاديث لمعتقداتهم وليس العكس كما هو الصحيح والمفروض، في الأخذ بما يوافق القرآن والسنة الصحيحة وترك ما خالفهما.
وهذا ابن حجر تذرع إلى أصل اجتماع الأمة واختلق حسب ذاك الأصل أئمة وجعلهم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله.
فقال: المراد بالاجتماع انقياد بيعته، والذي وقع إن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلحالحسن عليه السلام، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز. فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر الوليد بن يزيد عبد الملك.
وقال في موضع آخر: فالأولى أن يحمل قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفة على حقيقة البعدية، فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا منهم اثنان لا تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما، وهما: معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء. (فتح الباري ١٣: ١٨٢ و ص 13).
أقول: لو تأمل الإنسان المنصف البصير إلى أقوال علماء السنة في تفسير هذا الحديث وتحديد المعنيين الاثني عشر المشار إليهم في الحديث سواء الأقوال التي تطرقنا إليها أم التي لم نشر إليها لعرف الحيرة والاضطراب وكذا التغريب والتشريق والتزلزل عندهم بحيث إنهم لم يتحدوا ولم يتفقوا على رأي واحد، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الضعف والإيراد، وإن التطرق إلى كل ذلك يخرجنا عن الإيجاز المطلوب، ولذلك ندعو القارئ