الإمام على (ع) فى آراء الخلفاء - الشيخ مهدي فقيه إيماني - الصفحة ١٤
اللبيب إلى مراجعة ما كتب في هذا الموضوع. ولكن أهم تلك النقاط المأخوذة على علماء الجمهور:
١ - إننا لو جمعنا بين الأقوال المذكورة التي ذكرت فيها أسماء الخلفاء لرأيناها تزيد عن الاثني عشر.
٢ - تلاحظ أن بعض علماء السنة يختلق خلفاء حسب هواه ورأيه فينفي صحة خلافة أحدهم والآخرون يثبتونها كما مر عليك في أمر خليفتهم مروان بن الحكم حيث عده بعضهم من الخلفاء ونفاه البعض لكونه غاصبا، فلو كان هكذا فأمر الخلفاء الذين جاءوا بعده واضح.
٣ - قيد بعضهم شرط العدالة في الخليفة فلو راجع القراء تاريخ حياة الخلفاء المذكورين لعرف أن أكثر هؤلاء الخلفاء يخرجون عن دائرة العدالة والخلافة حتى لم يبق منهم إلا القليل الواحد أو الاثنين.
٤ - وآخر ما نورده من ملاحظاتنا أن التفسير الواقعي والمعنى الصحيح لحديث الأئمة الاثني عشر هو معتقد الشيعة التي تذهب إلى إمامة اثني عشر خليفة كلهم من قريش، ومن بطن هاشم، ومن العترة الطاهرة من آل الرسول صلى الله عليه وآله، كما أشار إلى ذلك ابن كثير ثم اتهم الشيعة - كعادته - بالجهل فقال: وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر، الأئمة الذين يعتقدون فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم (تفسير ابن كثير ٢: ٣٤).
وهذه الأحاديث لما كانت إحدى أدلة أحقية الشيعة لإثبات صحة مذهبهم استشكل بعض علماء السنة في الحديث كالشيخ ولي الله المحدث في كتابه قوة العينين في تفضيل الشيخين حيث قال: وقد استشكل في حديث " لا يزال " ووجه الإشكال، إن هذا الحديث ناظر إلى مذهب الاثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماما (عون المعبود ١١: ٣٦٤).
وقال أبو الطيب شمس الحق: قلت: زعمت الشيعة - خصوصا الإمامية منهم - أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي، ثم ابنه الحسن، ثم أخوه الحسين، ثم ابنه علي زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد القائم عليه السلام (عون المعبود ١١: ٢٦٧).
وبقي أن ألفت أنظار القراء الكرام إن دأب ابن كثير وأشباهه من المتعصبين والمتطرفين هو الافتراء والاتهام وإلصاق الأكاذيب على مخالفيهم خاصة الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
والجدير بالذكر أن الشيعة يعتقدون بإمامة اثني عشر إماما وخليفة للنبي صلى الله عليه وآله كلهم من قريش، ومن البيت الهاشمي، ومن عترة النبي صلى الله عليه وآله.
وتظهر أحقية هذا المعتقد لو جمعنا هذا الحديث إلى أحاديث أخرى مثل حديث الثقلين والكساء وآية التطهير والمباهلة وغيرها من النصوص الدالة على إمامة أهل البيت عليهم السلام.
روى الحافظ القندوزي عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة ثم أخفى صوته.
فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟
قال: قال: كلهم من بني هاشم. (ينابيع المودة: ٤٤٥).
ويؤيد هذا الحديث قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم. (نهج البلاغة: خطبة ١٤٤ صبحي الصالح).
وإني لأعجب من بعض الرواة والحفاظ الراوين لهذا الأخبار لما شاهدوا فيها ما يخالف هواهم ويباين مسلكهم حرفوها أو تغافلوها ولذلك تراهم يقولون: خفى علي، أو نسيت، أو لم أفهم، أو أخفى صوته، أو عبارات أخرى مما تدل على تعتيم الحقائق وتحريف الوقائع.
والدليل الآخر على اختصاص هذا الحديث بأئمة أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم هو أن بعض الأحاديث يشير أن الخلافة ممتدة إلى قيام الساعة فإذا راجعنا حديث الثقلين الذي يومئ إلى عدم افتراق الكتاب والعترة إلى قيام يوم الدين. وأنهما الوديعتان اللتان جعلهما النبي صلى الله عليه وآله في أمته وقال صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.
ومن جهة أخرى، فلو سلمنا بأن أحاديث العامة التي تروي بأن النبي صلى الله عليه وآله أكد على اتباع سنة الخلفاء من بعده صحيحة وسليمة عن النقد والأخذ، وهذه الأحاديث التي نقلناها لك تؤكد بأن خلفاءه هم اثنا عشر بالعدد وفي طائفة أخرى أفصح النبي صلى الله عليه وآله قائلا: من بني هاشم، أو عترتي، فهل يبقى حينئذ شك أو ريب في موالاة واتباع الأئمة من آل الرسول صلى الله عليه وآله والانقياد لهم، أو في عدم تبعية غيرهم لأنهم ليسوا من بني هاشم ولا من العترة؟
وقد قلنا آنفا: إن التفسير المجسد في الواقع الخارجي لهذه الروايات الناطقة بالوصف - من بني هاشم - وبالعدد - اثنا عشر - لا يتأتى إلا في أئمة أهل البيت الاثني عشر الذين تقتدي بهم الشيعة في فقهها وتفسيرها وعقائدها وأحكامها، كما أشار إلى ذلك الحافظ القندوزي الحنفي رواية عن عباية بن ربعي، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر: أولهم علي، وآخرهم القائم المهدي.
وأضاف الحافظ قائلا: قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية فإن سلطانهم ملك وليس بخلافة كما في بعض الروايات ولزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر، وإخفاء صوته في هذا القول يرجح هذه الرواية، ولا يمكن حمله على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (الشورى: ٢٣) وحديث الكساء فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته عليهم السلام لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم، وأجلهم، وأورعهم، وأتقاهم، وأعلاهم نسبا، وأفضلهم حسبا وأكرمهم عند الله، وكانت علومهم من آبائهم عن جدهم صلى الله عليه وآله وبالوراثة اللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيد هذا المعنى - أي أن مراد النبي صلى الله عليه وآله الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، ويشهد به ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث الكثيرة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، وأما قوله صلى الله عليه وآله: " كلهم تجتمع عليه الأمة " في رواية جابر بن سمرة فمراده صلى الله عليه وآله إن الأمة تجتمع على الاقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم (ينابيع المودة: 446).
وخلاصة القول:
إن الأخبار الواردة في هذا الموضوع هي من الأدلة القاطعة والنصوص الجلية الواضحة على أحقية مذهب الشيعة الاثني عشرية وبطلان غيرهم، وذلك لأن هذه الأحاديث لا تنطبق أصلا وعقلا على ما تعتقده العامة وسائر المذاهب الأخرى، لأنهم إما يعتقدون بأقل من اثني عشر إماما أو أكثر. ويؤيد أحقية الشيعة أيضا حسب هذه الأحاديث، ما ورد من الأحاديث الأخرى المتواترة والمتظافرة من أن الأمة تفترق على سبعين ونيف فرقة كلها في جهنم عدا واحدة. وقد رأينا أن جميع المذاهب تخالف الشيعة في أصولها وفروعها فهل يعقل أن الشيعة وحدها تكون في جهنم وسائر المذاهب هي الناجية؟ وهذا مناقض لقول رسول الله صلى الله عليه وآله فتدبر. (المعرب).