شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٩٢
للاجتهاد في مثل ذلك. إنتهى.
وقال السفاريني في " لوامع الأنوار البهية في عقيدة الفرقة المرضية ": وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة، وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. إنتهى.
وقال القنوجي في " الإذاعة ": والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا، تبلغ حد التواتر، وهي السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد، وقد أضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون وربما عارضوها ببعض الأخبار إلى آخر ما قال.
وليس كما ينبغي، فإن الحق الأحق بالاتباع والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع أن المعتبر في الرواة رجال الحديث أمران لا ثالث لهما، وهو الضبط والصدق دون ما اعتبره عامة أهل الأصول من العدالة وغيرها، فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك، كيف ومثل ذلك يتطرق إلى رجال الصحيحين؟
وأحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة، فتعرض المنكرين لها ليس كما ينبغي، والأحاديث يشد بعضها بعضا، ويتقوى أمرها بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار. إنتهى.
تنبيه آخر:
الخبر باطل من جهة معناه أيضا، فإن نفي الشارع للمهدي يستدعي سبق ذكر له من غيره، والإخبار به إنما وقع منه صلى الله عليه وسلم، كيف يخبر بشئ، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، ثم ينفيه، ومثل هذا لا يدخله نسخ لما هو مقرر في محله، والله أعلم . منهم العلامة الشيخ يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي في " عقد الدرر في أخبار المنتظر " ص 7 ط مكتبة عالم الفكر، القاهرة، قال:
وأما من زعم أن لا مهدي إلا عيسى بن مريم، وأصر على صحة هذا الحديث وصمم، فربما أوقعه في ذلك الحمية والالتباس وكثرة تداول هذا الحديث على ألسنة الناس.
وكيف يرتقي إلى درجة الصحيح وهو حديث منكر، أم كيف يحتج بمثله من أمعن النظر في إسناده وأفكر.
فقد صرح بكونه منكرا أبو عبد الرحمن النسائي وإنه لجدير لذلك إذ مداره على محمد بن خالد الجندي.
وفي كتاب " العلل المتناهية " للإمام أبي الفرج بن الجوزي، ما نقله في توهين هذا الحديث من كلام الحافظ أبي بكر البيهقي، قال: فرجع الحديث إلى الجندي وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك غير مقبول، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو منقطع غير موصول.
وحكى البيهقي عن شيخه الحاكم النيسابوري وناهيك به معرفة بعلم الحديث بهذا الإسناد منقطع.
وقد نقل علماء الحديث في حق الإمام المهدي من الأحاديث ما لا يحصى كثرة، وكلها معرضة بذكره ومصرحة، وفي ذلك أدل دليل على ترجيحها على هذا الحديث المنكر عند من كان له بهذا الفن خبرة وبعضها لبعض مصححة.
وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في كتابه " المستدرك على الصحيحين " من ذلك ما فيه غنية ونبهة ترجيح رواته الجم الغفير من كان له في ذلك بغية.
ولما انتهى في كتابه إلى ذكر هذه الرواية بين حالها لمن له فهم ودراية، فقال: قد ذكرت ما انتهى إلى من علم هذا الحديث تعجبا لا محتجبا به، وهذا غاية التوهين.
ثم قال: فإن أولى من هذا الحديث، حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، عن النبي الصادق الأمين أنه قال: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يوطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي. وهذا تصريح باسمه وتعين.
وقد قال بعض العلماء الأماثل: إن معنى قوله " يواطئ " يشبه ويماثل.
فقد اتضح لمن أنصف من جملة هذا الكلام أن المهدي من ولد الزهراء فاطمة لا ابن مريم عليها السلام.
على أنا نقول: ولئن سلمنا صحة هذا الحديث فإنه يحمل على تأويل، إذ لا يجد لإلغاء ما يعارضه من الأحاديث الصحيحة سبيل، ولعل تأويله كتأويل " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " إذ ألفاظ الحديثين يقرب بعضها من بعض ولا يبعد، وفي الحديث من هذا النوع كثير، وليس ذلك بمحمول على نفي المنفي بل على الترجيح والتوقير، أو لعل له تأويلا غير ذلك، فوجوه العلم متسعة المسالك.
قال الشيخ الإمام الحافظ العلامة شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي رضي الله عنه: ولقول صلى الله عليه وسلم " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وجه آخر من التأويل، وهو أن يكون على حذف مضاف، أي إلا مهدي عيسى. أي الذي يجئ في زمن عيسى عليه السلام، فهو احتراز ممن يسمى المهدي قبل ذلك من الملوك وغيرهم، أو يكون التقدير: إلا زمن عيسى. أي يجئ في ذلك الزمن لا في غيره، والله أعلم.