شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٩٢
طريق عبد الله بن هانئ النيسابوري، كلاهما عن مبارك بن سحيم، ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يزداد الزمان إلا شدة، ولا يزداد الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس.
وليست فيه هذه الزيادة كما أنه روى حديثا مشهورا متفقا على صحته، فزاد فيه زيادة باطلة يدركها كل عاقل بالبداهة، فذكر الحافظ ابن عبد البر في ترجمة يزيد بن الهادي من التمهيد أن محمد بن خالد الجندي هذا روى عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده مرفوعا: تعمل الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام ومسجدي ومسجد الأقصى ومسجد الجند.
وقال ابن عبد البر عقب ذكر الحديث: محمد بن خالد متروك، والحديث لا يثبت. إنتهى.
يعني بالزيادة التي زادها هذا الدجال، على أنه اختلف عليه في حديث الترجمة، فتارة جعله عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس كما تقدم، وتارة جعله عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا.
قال البيهقي: قال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن خالد الجندي مجهول، واختلفوا عليه في إسناده فرواه صامت بن معاذ، قال: حدثنا محمد بن خالد، فذكره بإسناده المتقدم، قال صامت: عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء، فدخلت على محدث لهم، فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى محمد بن خالد الجندي - وهو مجهول - عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع. قال: والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة. إنتهى.
قلت: وفيه علل أخرى أيضا منها على الرواية الأولى - وهي طريق أبان بن صالح - الانقطاع لأن أبان لم يسمع من الحسن كما قاله ابن الصلاح في " أماليه ".
ومنها الانقطاع بين يونس بن عبد الأعلى والشافعي، فقد قال الذهبي في " الميزان " في ترجمة محمد بن خالد الجندي بعد ذكر جرحه ما نصه:
قلت: حديثه " لا مهدي إلا عيسى " وهو حديث منكر، أخرجه ابن ماجة، ووقع لنا موافقة من حديث يونس بن عبد الأعلى - وهو ثقة - تفرد به عن الشافعي، فقال في روايتنا " عن " هكذا بلفظ عن الشافعي، وقال جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى قال: حدثت عن الشافعي، فهو على هذا منقطع، على أن جماعة رووه عن يونس قال: حدثنا الشافعي، والصحيح أنه لم يسمعه منه. إنتهى.
وقد طعن الناس في يونس بن عبد الأعلى مع كونه ثقة بسبب انفراده بهذا الحديث عن الشافعي فأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: وثقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ، إلا أنه تفرد عن الشافعي بذلك الحديث: لا مهدي إلا عيسى بن مريم، وهو منكر جدا. إنتهى.
وقال أيضا في " التذكرة " بعد نقل توثيقه: قلت: له حديث منكر عن الشافعي، ثم ساقه بسنده.
وقال الحافظ في " تهذيب التهذيب ": قال مسلمة بن القاسم: كان يونس بن عبد الأعلى حافظا، وقد أنكروا عليه تفرده بروايته عن الشافعي حديث " لا مهدي إلا عيسى ".
وذكر المزي في " التهذيب " عن بعضهم أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى، ليس هذا من حديثي. إنتهى.
وقال الحاكم بعد إخراج الحديث في " المستدرك ": إنما أخرجت هذا الحديث تعجبا لا محتجبا به في " المستدرك على الشيخين " رضي الله عنهما، فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تذهب [الأيام و] الليالي [حتى] يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. إنتهى.
تنبيه:
مما يدل على بطلان هذا الخبر ويوجب رده وعدم قبوله معارضته لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خروج المهدي، وأنه غير عيسى بن مريم كما سأذكره، والصحيح من مذاهب العلماء والأصوليين أنه يفيد القطع، وقد قرروا أن من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنص القطعي على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال، هذا إذا كان صحيحا، فكيف بباطل.
وأما تواتر خروج المهدي فنص عليه غير واحد من الأئمة والحافظ كالسخاوي والسيوطي. وقال الآبري: قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى عليه الصلاة السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى خلفه في طول من قصته وأمره. إنتهى.
وألف الشوكاني كتابا سماه " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح ". قال فيه: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها خمسون حديثا، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.
وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة، لها حكم الرفع، إذ لا مجال