شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٩٢
والنفاق، ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة ولا مخالفا لمراد الله تعالى ورسوله، وإذا كان الأمر كذلك فالإمام من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك بدليل قوله صلى الله عليه وآله: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأصبحهم وجها. فلو علم الإمام أن عيسى أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه علم الشريعة ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كل مكروه، وكذلك لو علم عيسى أنه أفضل منه لما جاز أن يقتدي به لموضع تنزيه الله تعالى له من الرياءوالنفاق والمحاباة، بل لما تحقق الإمام أنه أعلم منه جاز له إن يتقدم عليه، وكذلك قد تحقق عيسى أن الإمام أعلم منه فلذلك قدمه وصلى خلفه، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام، فهذه درجة الفضل في الصلاة، ثم الجهاد هو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولا بين يدي غيره، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله سبحانه (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل و القرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) ولأن الإمام نائب الرسول (ص) في أمته ولا يسوغ لعيسى (ع) أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبه ومما يؤيد هذا القول هوما رواه الحافظ أبو عبد اللهمحمد بن يزيدابن ماجة القزويني في " سننه " في حديث طويل في نزول عيسى، فمن ذلك: قالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ أنزل عليهم عيسى بن مريم (ع) فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقري ليتقدم عيسى (ع) يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول.
قلت: هذا حديث صحيح ثابت ذكره ابن ماجة في كتابه عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله (ص) وهذا مختصره.
أخبرنا الحافظ يوسف بحلب أخبرنا القاضي أبو المكارم، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد، أخبرنا الحافظ أبو نعيم، أخبرنا أبو الفرج الإصبهاني، أخبرنا أحمد بن الحسن بن شعبة (سعيد)، حدثنا أبي، حدثنا حصين بن مخارق، عن الخليل بن لطيف، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: منا الذي يصلي عيسى ابن مريم (ع) خلفه.
قلت: هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب " مناقب المهدي " وكتابه أصل.
وقال العلامة الشيخ محمد السفاريني في " أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى " ص 30 ط القاهرة:
تنبيه في أن المهدي غير عيسى:
قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم.
وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم روايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة، وكذا عند أهل الشيعة أيضا لكنهم زعموا أنه محمد بن الحسن العسكري كما تقدم.
وقال الشريف أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري الشافعي في " فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب " ج 2 ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، بيروت، قال:
574 - حديث " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن ريم [حل (9 / 161 و 2 / 99) وابن عبد البر في العلم (1 / 155) وفي الباب عن عمران (حل 7 / 262)].
ابن مندة في فوائده والقضاعي في " مسنده " كلاهما من طريق أبي علي الحسن بن يوسف الطرائفي وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريا الساجي والحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن زيد بن عيسى بن عبد الله بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وابن ماجة في " سننه "، كلهم قالوا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا أن الحاكم قال: " ولا الدين " بدل " ولا الدنيا ".
قلت: وزيادة " لا مهدي إلا عيسى " زيادة باطلة موضوعة، تفرد بها محمد بن خالد الجندي وهو مجهول كما قال أبو حاتم والحاكم والأبري وابن الصلاح في أماليه. وقال ابن عبد البر: إنه متروك.
وقال الأزدي: منكر الحديث.
وأقول: إنه كذاب، فقد ورد الحديث من غير طريقه ليست فيه هذه الزيادة. أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق علي بن الحسين الدرهمي، والطبراني في " الصغير " من