وزعموا انهم يشاهدون في أحوالهم الخاصة أشياء تناقض المحسوسات والمعقولات في أمور لا يكذب فيها العقل والحس.
اذن الغزالي لا يسقط العقل عن الاعتبار والدلالة على الحق، كيف وهو يؤمن بالوحي أكثر من ايمانه بنفسه، وقد بالغ الوحي في قدرة العقل على الهداية والرشاد، واعتبره المناصر الأكبر لاحكامه وتعاليمه، وانما ينكر الغزالي أن يكون العقل هو السبيل المطلق إلى جميع الحقائق، حتى حقائق الوحي ودقائقه. وبهذا نعلم مكان الخطأ فيما جاء في الكتب الحديثة من أن الغزالي ناقض نفسه بنفسه، حيث اعتمد منطق العقل في رده على الباطنية وغيرهم، بينما نعى على الفلاسفة نهج العقل.
كلا، لا تناقض ولا تهافت، فلقد رد الغزالي على الفلاسفة، حيث اعتمدوا العقل فيما لا يخصه ولا يعنيه من معضلات الوحي، ورد على الباطنية بالعقل فيما هو من شؤونه ومنطقه.
أهم أسباب المعرفة:
ان أهم أسباب المعرفة بعد الوحي عند الغزالي هو الكشف ومن اجله اخترت هذا البحث، وما أشرت اليه من الحواس والعقل انما هو للتوطئة والتمهيد، وقد استعصى معنى الكشف الذي اعتبره الغزالي مفتاحا لأكثر المعارف، استعصى على افهام الكثير، لان الناس انما تدرك وتتفهم الشئ المألوف لديهم، وما يحسونه في أنفسهم، ويرونه عيانا في غيرهم، أما ما لا عهد لهم بمثله فهم في ريب من وجوده، ومرية من لقائه.