ذنبا فارقه عقل لا يعود اليه ابدا.
ولا غرابة في هذا التشبيه، تشبيه القلب بالآلة اللاقطة، فإذا كانت هذه الآلة الصماء قد أتت بالعجب العجيب فبالأحرى ان يصدر عن القلب ما هو أعجب واغرب:
وتحسب انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر وقد رأينا نوعا من الحيوانات كالخلد، ليس له عينان ولا اذنان، رأيناه يحس بما يرى بالعين، ويسمع بالاذن، وقد أثبتت التجارب ان الكثير من الكفيفين يقومون باعمال المبصرين دون أن يقع أي حادث، وان بعضهم يحس بوجود الجدار والشجرة على بعد عشرة أمتار أو أكثر.
هذا هو الكشف الذي اراده الغزالي، انه علم القلب الصادق، وحدسه الصائب، ويقظة الذات الأمينة، وشهادتها العالة، وبهذا، بحكاية القلب للواقع حكاية المرآة للوجه كانت الذات هي الواقع، وكان الواقع هو الذات، لا فرق بين اكتشافها ما وراء الطبيعة بنور الاخلاص والايمان، وبين معرفتها بأشياء الطبيعة بالتجربة والعيان، كلاهما عين اليقين. وليس لرجل العلم أن يتنكر لهذا الكشف، ويرفضه بقول مطلق ما دام العلم نفسه لا يقر شيئا من الاحكام النهائية المطلقة.
ولا نجد عذرا لمن استبعد هذا الكشف، وانكره على الغزالي الا انه قاس الغير على نفسه، واتخذ من واقعه ميزانا للناس ولو تم وجه الشبه بيننا وبين الغزالي لكان للقياس وجه،