على الامام أبي حامد بسلام، وما كان الله ليدعها تفسد ما استصلحه بوحيه ورسله فقذف النور في قلب عبده المخلص، وبصره بالحق بعد الغشوة، وناجاه في عقله، فاستصبح بنور اليقظة في بصره وبصيرته، فرأى أن البصر وما اليه من الحواس الظاهرة تصدق فيما لا يكذبها به العقل، كما لو رأت العين الجبال والأشجار، وتكذب فيما يكذبها به كرؤيتها الكوكب بمقدار الدينار، وان العقل يصدق فيما لا يكذبه الوحي، كحكمه بأن النفي والاثبات لا يجتمعان في الشئ الواحد، ويكذب فيما يكذبه به الوحي، كحكمه بأن العالم قديم وان الله يعلم الكليات، ولا يعلم الجزئيات مباشرة، بل بالواسطة، لأنه يعلم ذاته التي هي سبب الأسباب، وان الأجسام لا تحشر كما زعم الفلاسفة.
وبهذا حدد الغزالي أسباب المعرفة كلا في دائرة اختصاصه، فالحواس مصدر المعرفة، ولكن في موارد دون أخرى، ولو اعتمدناها في جميع الموارد لوجب ان نرفض كل فكرة لا يدرك واقعها بأحد الحواس، وهذا تقويض للكيان العلمي من الأساس، وكذا العقل فهو مصدر المعرفة في بعض الموارد دون بعض، ولو اتخذناه مصدرا في كل مورد لأهملنا الكثير من حقائق الوحي والدين، وعلى هذه السبيل خطأ الغزالي الفلاسفة، لأنهم اعتمدوا العقل في كل شئ، ورد على المتكلمين لأنهم قلدوا خصومهم الفلاسفة في كثير من المسائل، ونعى على بعض الفرق الصوفية، لأنهم غابوا عن حواسهم وعقولهم،