الفكر البشري من صوابه، والحقائق من الأوهام، ولا يمكن القيام بأية دراسة الا في ضوء مبدأ يعتبر المقياس الصحيح للقضايا التي تكون محلا للاختلاف والأخذ والرد مهما كان نوعا ولونها.
والآن، ما هي مصادر المعرفة عند أبي حامد؟ ما هو المقياس الصحيح الواضح عنده لمعرفة الفكر الصائب؟ وهل وجهة نظره في ذلك تختلف عن وجهات انظار الفلاسفة والمتكلمين؟
لقد شك الغزالي في أشياء كثيرة، ولكن لم يكن شكه ناشئا عن شذوذ في طبعه، ولا عن اضطراب في اعصابه، كما زعم البعض، وانما السبب الأول والأخير تمرده على المجتمع وتقاليده، وبهذا كان أشبه بالحنفاء الذين تركوا قومهم يعبدون الأصنام، وعكفوا على عبادة الواحد الاحد. اما الأمور التي شك فيها أبو حامد فهي آراء الفلاسفة، وطريقة المتكلمين والصوفية، ومعتقدات أهل الباطن، فقد رآهم يعتمدون فيما يعتمدون على الحواس والعقل، فهما الشاهدان العدلان عندهم، ولكن الغزالي رأى أن أحد الشاهدين يكذب صاحبه، فالعين ترى الكوكب بمقدار الدينار، والعقل يراه أكبر من الأرض، وادا كذبت الحواس فبالأحرى، أن يكذب العقل، وعليه فلا يمكن الاعتماد على واحد منهما، وبالتالي يتم مذهب السفسطة، ويصدق قول السفسطائيين من أنه لا يوجد دليل على شئ يركن اليه.
ولكن السفسطة كاسمها ليس لها من واقع، فمحال ان تمر