المقدمة ولله الحجة البالغة ربما يستعصي على الإنسان درك ما يقاسيه رجال الفكر والقادة، من حملة العلم والفقاهة، من الشدائد والنوازل والدواهي الفادحة، دون سعيهم وراء صالح الأمة، وسيرهم في مناهج رقيها وتقدمها، وإحيائهم تراثها العلمي ودعوتهم إلى العلم الناجع وجهادهم المثابر في حث الناس على المهيع اللاحب من الحق، وإيقاظهم شعور الشعب الإسلامي، وإيقافهم رواد العلم والفضيلة على الحقائق الراهنة، وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح والفلاح والنجاح.
أنى؟ ثم أنى؟ يتأتى لمن نأى عن تلكم الميادين، وبعد عن ذاك العالم بعد المشرقين أن يتصور ما هنالك من كوارث ونوائب ومواقف خطرة، ودواه مدلهمة ومجاهدات ومناضلات ومحاماة.
فترى في كل قرن من أدوار الإسلام أفذاذا عباقرة من تلكم الفئة الصالحة، والشخصيات البارزة قيضهم المولى سبحانه في غابر الزمن وحاضره لإعادة جدة الدين الحنيف، ساروا سيرا لحبا ركضا قسيا بهمة قعساء، وعزم راسخ، يزحزح الرواسي، وكابدوا وعثاء السفر، وارتحلوا مرة بعد أخرى، بين آونة وآونة، وتجولوا في أرجاء العالم، وساحوا في الأرض أربعة أشهر، وأربعة وأربعة، ابتغاء لمعالم العلم والدين، وإعلاء لكلمة العدل والصدق، ودحضا على معرة الباطل، وإقامة للحجة البالغة.