القرار في غرفة المدير، وألهتني عن الصحبة مطالعة فهارس المكتبة، دخل إلينا أستاذ جسيم بسيم، وجلس على يمين الشيخ السعيد، وطفق يناجيه، ويتكلم معه همسا، فاسترقنا السمع بقول الشيخ للأستاذ: قدم إشكالك إلى سماحة الحجة، فقال الأستاذ: هو مشغول عنا، فولى فضيلة الشيخ وجهه إلى شطري فقال: سماحة الحجة إن الأستاذ له إشكال يحب إصاختكم إليه وحله، فرحبت به وأهلت وأدنيته مني، واقترب الشيخ السعيد منا، فتفضل الأستاذ بقوله:
كنت أقول: غلو الشيعة في حب أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيهم علماء أمثالكم، لماذا؟ والمسلمون كلهم على بكرة أبيهم يحبون عليا وأولاده، ونحن أيضا نحبهم، ما هذه المآتم للعزاء، والدؤوب بالتأبين كل يوم؟ ما سيرتهم هذه: حسين حسين؟ ما هذا التعبد بتربته، والالتزام بالسجدة عليها؟
هكذا كان مقال الأستاذ، وكنا نسمع ذات المرار جمل النقد والاعتراض هذه أو ما يؤدي مؤداها من رجال سورية، كأنها صيغت بيد تلك الدعاية الممقوتة والأثيمة التي تفرق صفوف المسلمين، وتشتت شملهم، وتمزق جمعهم، بمثل هذه الشبهة التي هي وليدة الجهل المبير، فبثتها بين تلكم الحواضر، ودبت البلاد، وعمت البلية وشاعت، وأخذها الإنسان الظلوم الجهول كحقائق جهلا منه بالآراء والمعتقدات.
يهمنا عندئذ جدا إجابة لطلبة فئة من إخواننا أن نفرد جوابنا لأولئك الرجال عن تلكم الأسئلة ببيان ضاف في رسالة تحدو الأمة المسلمة إلى حقيقتها، وتميط الستر عن مبادئنا تلك في الملأ الديني، حتى تتجلى سافرة الوجه، ناصعة الجبين، ويتأتى للسائلين عنها مقنع كما وجدناهم لدى مساءلتهم ومشافهتهم بذلك مخبتين إليه، متسالمين