دفع نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شخص بعينه كما استبعدنا من الصحابة على رد نصه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين. فقال (رضي الله عنه): أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة، ثم قال: إن القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة إلى أنها من معالم الدين، وأنها جارية مجرى العبادات الشرعية، كالصلاة والصوم، ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية، ويذهبون هذا مثل تأمير الأمراء وتدبير الحروب وسياسة الرعية وما كانوا يبالون في أمثال هذا من مخالفة نصوصه (صلى الله عليه وآله) إذا رأوا المصلحة في غيرها، ألا تراه كيف نص على إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة لم يخرجا لما رأيا في مقامهما مصلحة للدولة والملة وحفظا للبيضة ودفعا للفتنة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخالف وهو حي في أمثال ذلك فلا ينكره ولا يرى به بأسا (1).
قال مؤلف هذا الكتاب: إن قوله: إن أبا بكر وعمر خالفا نص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا شك ولا ريب فيه، وأما اعتذاره عنهما ولم يخرجا لما رأيا إلى آخره، فاعتذار باطل، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنصح للملة وأحفظ للبيضة فكيف يريان المصلحة للإسلام دونه (صلى الله عليه وآله) وحفظا للبيضة بقعودهما، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرهما بالخروج والحث عليه، لأن الله تعالى ورسوله أعلم بمصالح الإسلام والعباد لا أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الطغام والجهال ممن يقدم بين يدي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
السابع: صاحب كتاب " سير الصحابة " قال: أول خلف وجد فيما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أخبرني به أبو عمر محمد بن أبي عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي إلى " مؤتة " وهي الأرض التي قتل فيها جعفر الطيار ابن أبي طالب (رض) وتقدم إلى أسامة بالقتل والتحريق، والخبر طويل فيما وصاه به وأمره على أهل السوابق من المهاجرين وغيرهم من الوجوه، وعقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية بكفه وأمر أبا بكر وعمر وعثمان أن يسيروا معه ولا لهما أمر، فلما علما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ثقل في مرضه فارقا أسامة وتخلفا عنه ورجعا إلى المدينة، وسار أسامة ولم يتبعاه فصعب ذلك على المسلمين وقالوا: هذا وهو حي ناطق قد خالفاه في أمره دون الصحابة فكيف يكون الحال إذا مات (2).
الثامن: صاحب سير الصحابة قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال: حدثني أبو جيش الهروي قال: حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن