جده عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل عمر على أبي بكر قال له: اكتب الآن إلى المواضع وابدأ بأرض " مؤتة " إلى أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) أمره في أمر فيه على أهل السوابق من وجوه الصحابة وخرج معه أبو بكر وعمر وكانا من جملة أتباعه وهو المؤمر عليهما وأمره أن يسير إلى " مؤتة " وهي الأرض التي قتل فيها جعفر ابن أبي طالب (عليه السلام) وتقدم إليه بالقتل والتحريق في خبر طويل ورواه عمر بن شيبة، وقد سمعنا هذا الحديث والرسالة أيضا من طرق شتى أنهم قالوا: لما علم أبو بكر وعمر بن الخطاب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صورة الموت تشاوروا في التخلف عن أسامة فاستأذن أسامة أن يقضيا في المدينة أشغالا يوما وقيل ثلاثة أيام ويلحقا به فأذن لهما ثم رحل ممثلا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا أول خلف منهما، فلما خرج علي من عند أبي بكر إلى أسامة، كتب أبو بكر بسم الله الرحمن الرحيم من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي بكر:
يا أسامة فإن المسلمين اجتمعوا علي وفوضوا أمرهم إلي فاختاروني للإمامة عليهم والنظر في أمورهم وحراسة أبنائهم لما عرفوه عندي من الرأفة بهم وإيثار الحسني فيهم وإن المسلمين لن يعدموا ذلك مني بالإحسان إليهم والتسوية في الحق من ضعيفهم وقويهم، وقد عرف ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أمرك به المسير إلى " مؤتة " وما يجاورها من البلاد وما أوعز إليك من النهب والتحريق والقتل، ولولا أنه أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وندبه إليك لأحببت أن أردك عن هذا الوجه الذي سلطك عليه لتكون أنت ومن تبعك من المسلمين في جملة من عندي من المهاجرين والأنصار، فإن العرب قد ارتد أكثرها ورجعت عما عاهدت الله عليه ورسوله، فادخل فيما دخل فيه المسلمون واكتب إلي به وامض إلى ما أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولبئس الشئ التشنع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند فراقه مما يخالف أمره ونهيه، وبئس الرأي ما بعد يستأثر به دونه، إن رأيه (صلى الله عليه وآله) يعان بالتوفيق، ورأينا شوب بالظن معقود على الوهم، ومع ذلك أريدك أن تأذن لعمر (1) في مقامه عندي واستظهر به على أمري وما أحتاج إلى قيامه فيه، فلا يعترضك معترض فيخرجك عما فيه المسلمون أو يزين لك الشيطان بعض الغرور فنقول كما قال أهل الغفلة:
لقد حن قدح ليس منها * والظن دأب للبعيد عنها (2) وأجر الأمور على ظاهرها ولا تجاهرنا بما في نفسك فإن اللجاجة تجلب الغلبة ورأيي لك خير