قائل به ولا يجوز أن يكون مستند علم من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريعته انعقاد الاجماع من الأمة عليه، فإن عصمة الأمة عن الخطأ إنما تعرف بالنصوص الواردة على لسان الرسول بالكتاب أو السنة، وكل نص يدل على كون الاجماع حجة فلا بد من معرفة كونه منقولا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا ناسخ له ولا معارض، وكان أيضا يتوقف على صدق الناقل له وصدقه، أما أن يكون معلوما بالاجماع أو غيره، فلو كان الاجماع لزم الدور من حيث إنا لا نعرف صدق الخبر الدال على صحة عصمة أهل الاجماع إلا الاجماع، وعصمة أهل الاجماع لا تعرف إلا بعد معرفة صدق ذلك الخبر، لأن الاجماع إنما هو حجة باشتماله على قوله المعصوم، لأنه لولاه لكان جواز الكذب لازما لكل واحد، ولازم الجزء لازم للكل، وقد بينا في الأصول ضعف أدلتهم على كون الاجماع حجة (1) ولأن المسائل الاجماعية قليلة في الغاية، ولأنه لا يمكن أن يحتج به على الغير (2) وإن كان بغير الاجماع، فإما بالتواتر أو بغيره، لا جايز أن يكون بالتواتر، فإن غاية التواتر معرفة كون ذلك الخير منقولا عن النبي صلى الله عليه وآله وليس فيه ما يدل على أنه ليس بمنسوخ ولا معارض فلا يفيد كون الاجماع حجة فلم يبق إلا الإمام وهو المطلوب، وبهذا بطل كون التواتر مفيد للأحكام، ولأنه لم يكن عند النبي صلى الله عليه وآله أظهر من الإقامة لوقوعها في كل يوم خمس مرات على رؤوس الأشهاد، ولم يثبت بالتواتر فصولها لوقوع الخلاف فيها (3).
الرابع عشر: إنه لو لم يكن الإمام معصوما فبتقدير وقوعه في المعصية إما أن يجب الانكار عليه أو لا يجب، فإن وجب الانكار عليه لزم الدور من جهة توقف زجر الإمام على زجر الرعية وزجر الرعية على زجر الإمام، ولوقوع الهرج المحذور منه، وإن لم يجب الانكار عليه، فهو ممتنع لقوله صلى الله عليه وآله من رأى منكرا فلينكره، ولوجوب إنكار المنكر بالاجماع.