وقد سلاني السلوان وصالحني الأحزان، فبكيت بكاء شديدا وشكيت إليه من قلة المساعد وكثرة المعاند، وهجر الإخوان وكثرة العدوان، وتواتر الكذب والبهتان، حتى أوجب ذلك لي جلاء عن الأوطان، والهرب إلى أراضي آذربايجان، فقال لي: اقطع خطابك فقد قطعت نياط قلبي، وقد سلمتك إلى الله فهو سند من لا سند له، وجاز في المسئ بالاحسان فلك ملك عالم عادل قادر لا يهمل مثقال ذرة وعوض الآخرة أحب إليك من عوض الدنيا ومن أجرته إلى الآخرة فهو أحسن وأنت أكسب ألا ترضى بوصول أعواض لم تتعب فيها أعضاءك، ولم تكل بها قواك والله لو لم علم الظالم والمظلوم بخسارة التجارة وربحها لكان الظلم عند المظلوم مترجي وعند الظالم متوقي دع المبالغة في الحزن علي فإني قد بلغت من المنى أقصاها، ومن الدرجات أعلاها، ومن الغرف ذراها وأقلل من البكاء، فأنا مبالغ لك في الدعاء، فقلت: يا سيدي الدليل الحادي والخمسون بعد المائة من كتاب الألفين على عصمة الأئمة يعتريني فيه شك، فقال: لم، قلت: لأنه خطابي، فقال:
بل برهاني، فإن إرادة الشئ تستلزم كراهة ضده وقوة الكراهة وضعفها من حيث الضدية تابع لقوة الإرادة وضعفها وكراهة الشئ منافية لإرادته، فيمتنع الفعل والتزام القوانين الشرعية، وملازمة الأفعال التي هي كمال القوة العقلية مضادة لمتابعة القوى الشهوانية والغضبية على خلاف العدل لأن تلك تستلزم استحقاق المدح والثواب، وهذه تستلزم استحقاق الذم والعقاب وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات والداعي إلى فعل المعاصي إنما هو توهم تكميل القوى البدنية الحيوانية، والإمام حافظ للعدل مطلقا في جميع الأحوال فإذا لم يحصل له ما قلنا كان له التفات ما إلى تكميل القوى البدنية، فلا يحيط العدل في جميع الأحوال فلا يصلح للإمامة، فإذا تجرد عن القوى البدنية لم يحصل له إرادة إلى تكميل قواه بإبلاغ القوة الشهوية والغضبية والحسية مقتضاها، فلا يريد المعاصي ومع حصول المشاهدات المذكورة يحصل له المواظبة على الطاعات والصارف عن المعاصي فتمتنع منه المعاصي، وهذا هو العصمة والعلم بعصمة وحاله يحصل من الرابع وطاعته أيضا به فيتعلق المآل وهو آثار الكمال والتكميل، وعند ذلك تتم فائدة الإمام.