كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ١٣٨
اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة لا يعرفها أهل الدنيا ورحمة الله واسعة لا تختص بزمان دون زمان ولا بأهل عصر دون عصر آخر ولا يحصل البقاء السرمدي للبشر في دار الدنيا، فلا بد من وجود شخص قائم مقامه في كل عصر ولهذا قرن تعالى في: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) طاعته بطاعته فعليك بالتمسك بولاية الأئمة الاثني عشر فإنها الصراط المستقيم والدين القويم، هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك، ثم تولى عني ماشيا فوددت لو قبضت نفسي ولم تفارقه لكن الحكم لله الواحد القهار.
الحادي والخمسون: الإمام لا بد أن تجتمع فيه ثلاثة أشياء:
الأول: الإعراض عن الدنيا ولذاتها.
الثاني: المواظبة على فعل العبادات جميعها.
الثالث: التصرف بفكرة إلى عالم الجبروت مستديما لبروق نور الحق في سره لأنه طالب للحق ولأمور الآخرة وملزم للناس بها، فيلزمه الإعراض عما سوى الحق تعالى لا سيما لما يشغله عن الطلب وهو لذات الدنيا وطيباتها خصوصا المحرمة، ثم يقبل على ما يعتقد أنه يقربه من الحق وهو العبادات، وهذان كمال الزهد والعبادة ولا بد من دوام تصوره تعالى إذا تقرر ذلك فنقول: هذا يدل على عصمة الإمام عليه السلام للعلم الضروري بعصمة من اجتمع فيه هذه الأشياء.
الثاني والخمسون: الإمام يكون له حالتان، الأولى: محبة الله تعالى وهي راجعة إلى نفسه خاصة. الثانية: حركته في طلب القرب إليه وكلاهما يتعلقان به تعالى لذاته ولا يتعلقان بغيره لذات ذلك الغير بل إذا تعلقا بغير الله تعالى، فلأجل الله تعالى أيضا فهو يريد الله تعالى ومرضاته ولا يؤثر شيئا على عرفانه ومرضاته وتعبده له فقط، ولأنه مستحق للعبادة، ولأنها نسبة شريفة إليه لا لرغبة ولا لرهبة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: " إلهي ما عبدتك شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك "
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست