كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ١٢٦
السادس والثلاثون: قوله تعالى: (إن الله يحب المتوكلين) وجه الاستدلال به أن نقول النفس الناطقة لها قوتان نظرية وعملية، ولها في كل منهما مراتب في الكمال والنقصان، أما النظرية فمراتبها أربع:
الأولى: العقل الهيولاني وهو الذي من شأنه الاستعداد المحض.
الثانية: العقل بالملكة وهو الذي من شأنه إدراك المعقولات الأولية، أعني البديهية والعلوم الضرورية.
الثالثة: العقل بالفعل وهو الذي من شأنه إدراك المعقولات الثانية، أعني العلوم الكسبية.
الرابعة: العقل المستفاد وهو حصول العقول اليقينية والعلوم مشاهدة عندها كالصورة في المرآة وهي غاية الكمال في هذه القوة إليه أشار أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ".
وأما العملية، فأولها: تهذيب الظاهر باستعمال الشرايع النبوية والنواميس الإلهية.
وثانيها: تزكية الباطن من الملكات الردية.
وثالثها: تحلية السر بالصورة القدسية والتوكل لا يحصل إلا بهذه وذلك موقوف على المعصوم، لأنه اللطف المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية الموقوف عليه فعل المكلف به فيجب إذ صحة التوكل بدون فعل ما هو موقوف عليه وهو من فعله ولا يمكن من غيره يستلزم فعله من الحكيم قطعا، فثبت الإمام المعصوم (1).

(1) ما ذكره طاب ثراه مبني على أسس فلسفية وأخرى أخلاقية وهذه وإن صحت إلا أنها أشبه شئ بالطرق البعيدة فالأحرى أن نقول في تقريب دلالة الآية على المطلوب، أن التوكل عليه المحبوب لديه لا نعرفه إلا من طريق المعصوم، فإنه مهما أرشدنا أحد إلى التوكل، ومهما عملنا شيئا بحسبان أنه التوكل المحبوب لا نجزم بأنه التوكل المحبوب لديه، ولما أن أخبر تعالى وجوده بأنه يحب المتوكلين عرفنا أنه نصب طريقا يعرفننا كيف التوكل الموصل إلى محبوبيته تعالى وإلا كيف يحب المتوكلين والناس لا تعرف التوكل الصحيح الذي يحببهم إليه فإنه عز شأنه ما ترك حجة عليه بل له الحجة البالغة على خلقه، فلا طريق لنا إذن إلى التوكل الموصل إلى محبوبيته تعالى إلا المعصوم فيجب، ولما إن كان ذلك في كل زمان وجب المعصوم في كل زمان.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست