السادس والثلاثون: قوله تعالى: (إن الله يحب المتوكلين) وجه الاستدلال به أن نقول النفس الناطقة لها قوتان نظرية وعملية، ولها في كل منهما مراتب في الكمال والنقصان، أما النظرية فمراتبها أربع:
الأولى: العقل الهيولاني وهو الذي من شأنه الاستعداد المحض.
الثانية: العقل بالملكة وهو الذي من شأنه إدراك المعقولات الأولية، أعني البديهية والعلوم الضرورية.
الثالثة: العقل بالفعل وهو الذي من شأنه إدراك المعقولات الثانية، أعني العلوم الكسبية.
الرابعة: العقل المستفاد وهو حصول العقول اليقينية والعلوم مشاهدة عندها كالصورة في المرآة وهي غاية الكمال في هذه القوة إليه أشار أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ".
وأما العملية، فأولها: تهذيب الظاهر باستعمال الشرايع النبوية والنواميس الإلهية.
وثانيها: تزكية الباطن من الملكات الردية.
وثالثها: تحلية السر بالصورة القدسية والتوكل لا يحصل إلا بهذه وذلك موقوف على المعصوم، لأنه اللطف المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية الموقوف عليه فعل المكلف به فيجب إذ صحة التوكل بدون فعل ما هو موقوف عليه وهو من فعله ولا يمكن من غيره يستلزم فعله من الحكيم قطعا، فثبت الإمام المعصوم (1).