شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٦٣٤
منها: أن يتقدم الحال على النكرة، نحو " فيها قائما رجل "، وكقول الشاعر، وأنشده سيبويه:
181 - وبالجسم مني بينا لو عملته شحوب، وإن تستشهدي العين تشهد وكقوله:
182 - وما لام نفسي مثلها لي لائم ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي .
181 - البيت من الشواهد التي لا يعلم قائلها.
اللغة: " شحوب " هو مصدر شحب جسمه يشحب شحوبا - بوزن قعد يقعد قعودا - وقد جاء على لغة أخرى، شحب يشحب شحوبة - مثل سهل الامر يسهل سهولة - إذا تغير لونه " بينا " ظاهرا، وهو فيعل من بان يبين، إذ ظهر ووضح.
المعنى: إن بجسمي من آثار حبك لشحوبا ظاهرا، لو أنك علمته لأخذتك الشفقة علي، وإذا أحببت أن ترى الشاهد فانظري إلى عيني فإنهما تحدثانك حديثه.
الاعراب: " وبالجسم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " مني " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الجسم " بينا " حال من شحوب الآتي على رأي سيبويه الذي يجيز مجئ الحال من المبتدأ، وهو عند الجمهور حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا " لو " شرطية غير جازمة " علمته " فعل وفاعل ومفعول به، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله شرط لو، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: لو علمته لأشفقت علي، والجملة من الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر " شحوب " مبتدأ مؤخر " وإن " شرطية " تستشهدي " فعل مضارع فعل الشرط، وياء المخاطبة فاعل " العين " مفعول به " تشهد " جواب الشرط.
الشاهد فيه: قوله " بينا " حيث وقعت الحال من النكرة، التي هي قوله " شحوب " على ما هو مذهب سيبويه، كما قررناه في الاعراب، والمسوغ لذلك تقدم الحال على صاحبها، فإذا جريت على ما ذهب الجمهور إليه خلا البيت من الشاهد.
182 - وهذا البيت - أيضا من الشواهد التي لا يعلم قائلها، اللغة: " لام " عذل، وتقول: لام فلان فلانا لوما وملاما وملامة، إذا عاتبه ووبخه " سد فقري " أراد أغناني عن الحاجة إلى الناس وسؤالهم، شبه الفقر بباب مفتوح يأتيه من ناحيته مالا يجب، فهو في حاجة لا يصاده.
المعنى: إن اللوم الذي يكون له الأثر الناجع في رجوع الانسان عما استوجب اللوم عليه هو لوم الانسان نفسه، لان ذلك يدل على شعوره بالخطأ، وإن ما في يد الانسان من المال لأقرب منالا له مما في أيدي الناس.
الاعراب: " وما " نافية " لام " فعل ماض " نفسي " نفس: مفعول به تقدم على الفاعل، ونفس مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " مثلها " مثل: حال من " لائم " الآتي، ومثل مضاف وها مضاف إليه، و " مثل " من الألفاظ التي لا تستفيد بالإضافة تعريفا " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من لائم الآتي " لائم " فاعل لام " ولا " الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي " سد " فعل ماض، " فقري " فقر:
مفعول به لسد تقدم على الفاعل، وفقر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " مثل " فاعل لسد، ومثل مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " ملكت " ملك: فعل ماض، والتاء للتأنيث " يدي " يد: فاعل ملكت، ويد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، والجملة من ملك وفاعله لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: مثل الذي ملكته يدي.
الشاهد فيه: قوله " مثلها لي لائم " حيث جاءت الحال - وهي قوله " مثلها "، و " لي " - من النكرة - وهي قوله " لائم " - والذي سوغ ذلك تأخر النكرة عن الحال.