شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٢٧٤
وذكر ابن معط أن خبر " دام " لا يتقدم على اسمها، فلا تقول:
" لا أصاحبك ما دام قائما زيد " والصواب جوازه، قال الشاعر:
66 - لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم .
66 - البيت من الشواهد التي لم يعين أحد ممن اطلعنا على كلامه قائلها.
اللغة: " طيب " المراد به اللذة وما ترتاح إلى النفس وتهفو نحوه " منغصة " اسم مفعول من التنغيص وهو التكدير " بادكار " تذكر وأصله " اذتكار " فقلبت تاء الافتعال دالا، ثم قلبت الذال دالا، ثم أدغمت الدال في الدال، ويجوز فيه " اذكار " بالذال المعجمة، على أن تقلب المهملة معجمة بعكس الأول ثم تدغم، ويجوز فيه بقاء كل من المعجمة والمهملة على حاله فتقول " اذدكار " وبالوجه الأول ورد قوله تعالى: (فهل من مدكر) أصله مذتكر فقلبت التاء دالا ثم أدغمتا على ما ذكرناه أولا.
المعنى: لا يرتاح الانسان إلى الحياة ولا يستطيب العيش ما دام يتذكر الأيام التي تأتي عليه بأوجاعها وآلامها، وما دام لا ينسى أنه مقبل لا محالة على الشيخوخة والموت ومفارقة أحبائه وملاذه.
الاعراب: " لا " نافية للجنس " طيب " اسمها مبني على الفتح في محل نصب " للعيش " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، أو متعلق بطيب، وخبر لا حينئذ محذوف " ما " مصدرية ظرفية " دامت " دام: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " منغصة " خبر دام مقدم على اسمها " لذاته " لذات: اسم دام مؤخر، ولذات مضاف والهاء العائدة إلى العيش مضاف إليه " بادكار " جار ومجرور متعلق بقوله منغصة، وادكار مضاف، و " الموت " مضاف إليه " والهرم " معطوف بالواو على الموت.
الشاهد فيه: قوله " ما دامت منغصة لذاته " حيث قدم خبر دام وهو قوله " منغصة " على اسمها وهو قوله " لذاته ".
هذا توجيه كلام الشارح العلامة كغيره من النحاة، ردا على ابن معط. وفيه خلل من جهة أنه ترتب عليه الفصل بين " منغصة " ومتعلقه وهو قوله " بادكار " بأجنبي عنهما وهو " لذاته ".
وفي البيت توجيه آخر، وهو أن يكون اسم " دام " ضميرا مستترا، وقوله " منغصة " خبرها، وقوله " لذاته " نائب فاعل لقوله " منغصة "، لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، وعلى هذا يخلو البيت من الشاهد، فلا يكون ردا على ابن معط ومن يرى رأيه.
ومن الشواهد التي يستدل بها للرد على ابن معط قول الشاعر:
ما دام حافظ سري من وثقت به * فهو الذي لست عنه راغبا أبدا فإن قوله " حافظ سري " خبر دام، وقوله " من وثقت به " اسمها، وقد تقدم الخبر على الاسم، ولا يرد عليه الاعتراض الذي ورد على البيت الشاهد، ولكنه يحتمل التأويل، إذ يجوز أن يكون اسم دام ضميرا مستترا يعود إلى " من وثقت به " ويكون خبرها هو " حافظ سري "، ويكون قوله " من وثقت به " فاعلا بحافظ، لأنه اسم فاعل.
فإن قلت: فقد عاد الضمير على متأخر.
قلت: هو كذلك، ولكنه مغتفر ههنا، لان الكلام على هذا يصير من باب الاشتغال لتقدم عاملين وهما: دام، وحافظ سري وتأخر معمول واحد وهو " من وثقت به " فلما أعمل العامل الثاني أضمر في الأول المرفوع، وهو جائز عند البصريين كما ستعرفه في باب الاشتغال، إن شاء الله.