معها ظن واستفهام وإضراب، وأنشد الأخفش للأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام، من الرباب، خيالا؟
وقال في قوله تعالى: أم يقولون افتراه، وهذا لم يكن أصله استفهاما، وليس قوله أم يقولون افتراه شكا، ولكنه قال هذا لتقبيح صنيعهم، ثم قال: بل هو الحق من ربك، كأنه أراد أن ينبه على ما قالوه نحو قولك للرجل: الخير أحب إليك أم الشر؟ وأنت تعلم أنه يقول الخير ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع، قاله ابن بري.
ومثله قوله عز وجل: أم اتخذ مما يخلق بنات، وقد علم النبي، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون، رضي الله عنهم، أنه تعالى وتقدس لم يتخذ ولدا سبحانه وإنما قال ذلك ليبصرهم ضلالتهم، قال:
وتدخل أم على هل تقول أم هل عندك عمرو، وقال علقمة ابن عبدة: أم هل كبير بكى لم يقض عبرته، إثر الأحبة، يوم البين، مشكوم؟
قال ابن بري: أم هنا منقطعة، واستأنف السؤال بها فأدخلها على هل لتقدم هل في البيت قبله، وهو:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ثم استأنف السؤال بأم فقال: أم هل كبير، ومثله قول الجحاف بن حكيم:
أبا مالك، هل لمتني مذ حضضتني على القتل أم هل لامني منك لائم؟
قال: إلا أنه متى دخلت أم على هل بطل منها معنى الاستفهام، وإنما دخلت أم على هل لأنها لخروج من كلام إلى كلام، فلهذا السبب دخلت على هل فقلت أم هل ولم تقل أهل، قال: ولا تدخل أم على الألف، لا تقول أعندك زيد أم أعندك عمرو، لأن أصل ما وضع للاستفهام حرفان: أحدهما الألف ولا تقع إلى في أول الكلام، والثاني أم ولا تقع إلا في وسط الكلام، وهل إنما أقيم مقام الألف في الاستفهام فقط، ولذلك لم يقع في كل مواقع الأصل.
* أنم: الأنام: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق، ويجوز في الشعر الأنيم، وقال المفسرون في قوله عز وجل: والأرض وضعها للأنام، هم الجن والإنس، قال: والدليل على ما قالوا أن الله تعالى قال بعقب ذكره الأنام إلى قوله: والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان، ولم يجر للجن ذكر قبل ذلك إنما ذكر الجان بعده فقال:
خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار، والجن والإنس هما الثقلان، وقيل: جاز مخاطبة الثقلين قبل ذكرهما معا لأنها ذكرا بعقب الخطاب، قال المثقب العبدي:
فما أدري، إذا يممت أرضا أريد الخير، أيهما يليني؟
أألخير الذي أنا أبتغيه، أم الشر الذي هو يبتغيني؟
فقال: أيهما ولم يجر للشر ذكر إلا بعد تمام البيت.