وبعير هامل وهمل، وهو الضال المهمل، قال كراع: كل هذا جمع والصحيح ما بدأنا به، وهو قول سيبويه فيما ذكر من هذا وقياس قوله فيما لم يذكره منه: والتبع يكون واحدا وجماعة. وقوله عز وجل: إنا كنا لكم تبعا، يكون اسما لجمع تابع ويكون مصدرا أي ذوي تبع، ويجمع على أتباع.
وتبعت الشئ وأتبعته: مثل ردفته وأردفته، ومنه قوله تعالى: إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب، قال أبو عبيد: أتبعت القوم مثل أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، قال:
واتبعتهم مثل افتعلت إذا مروا بك فمضيت، وتبعتهم تبعا مثله. ويقال: ما زلت أتبعهم حتى أتبعتهم أي حتى أدركتهم. وقال الفراء: أتبع أحسن من اتبع لأن الاتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، فإذا قلت أتبعته فكأنك قفوته. وقال الليث: تبعت فلانا واتبعته وأتبعته سواء. وأتبع فلان فلانا إذا تبعه يريد به شرا كما أتبع الشيطان الذي انسلخ من آيات الله فكان من الغاوين، وكما أتبع فرعون موسى. وأما التتبع:
فأن تتتبع في مهلة شيئا بعد شئ، وفلان يتتبع مساوي فلان وأثره ويتتبع مداق الأمور ونحو ذلك. وفي حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر الصديق بجمع القرآن قال: فعلقت أتتبعه من اللخاف والعسب، وذلك أنه استقصى جميع القرآن من المواضع التي كتب فيها حتى ما كتب في اللخاف، وهي الحجارة، وفي العسب، وهي جريد النخل، وذلك أن الرق أعوزهم حين نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأمر كاتب الوحي فيما تيسر من كتف ولوح وجلد وعسيب ولخفة، وإنما تتبع زيد بن ثابت القرآن وجمعه من المواضع التي كتب فيها ولم يقتصر على ما حفظ هو وغيره، وكان من أحفظ الناس للقرآن استظهارا واحتياطا لئلا يسقط منه حرف لسوء حفظ حافظه أو يتبدل حرف بغيره، وهذا يدل على أن الكتابة أضبط من صدور الرجال وأحرى أن لا يسقط منه شئ، فكان زيد يتتبع في مهلة ما كتب منه في مواضعه ويضمه إلى الصحف، ولا يثبت في تلك الصحف إلا ما وجده مكتوبا كما أنزل على النبي، صلى الله عليه وسلم، وأملاه على من كتبه.
واتبع القرآن: ائتم به وعمل بما فيه. وفي حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه: إن هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة، ومن يتبعه القرآن يزخ في قفاه حتى يقذف به في نار جهنم، يقول: اجعلوه أمامكم ثم اتلوه كما قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أي يتبعونه حق اتباعه، وأراد لا تدعوا تلاوته والعمل به فتكونوا قد جعلتموه وراءكم كما فعل اليهود حين نبذوا ما أمروا به وراء ظهورهم، لأنه إذا اتبعه كان بين يديه، وإذا خالفه كان خلفه، وقيل: معنى قوله لا يتبعنكم القرآن أي لا يطلبنكم القرآن بتضييعكم إياه كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة، قال أبو عبيد: وهذا معنى حسن يصدقه الحديث الآخر: إن القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، فجعله يمحل صاحبه إذا لم يتبع ما فيه. وقوله عز وجل: أو التابعين غير أولي الإربة، فسره ثعلب فقال: هم أتباع الزوج ممن يخدمه مثل الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة.