ثم يريد من هؤلاء المدعوين للمفاوضة من يتطوع له بالوزارة، ويشاطره حمل ما ينتابه من الصعاب في سبيل الله، على أن يكون له أقرب المنازل، من الأخوة والوصية والخلافة، جزاء المؤازرة.
وتلك هي سنة المرسلين أن الواحد منهم أول ما يهمه الوزير، ألا ترى حينما أرسل سبحانه نبيه موسى (ع) بقوله (إذهب إلى فرعون إنه طغى) كيف سأله الوزير بقوله (اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي). لكن أشياخ عشيرته وسراتهم أحجموا على التطوع له بما طلب منهم، إحجام المتهيب للقيام بذلك، ومنهم الساخر بهذه الفكرة الشاذة بنظره! لكن هذه المفاوضة انتهت بانتخاب الوزير، وهو ذلك الغلام!!
ما أكبر هذا الغلام وأولاه بالإجلال والإعظام، حين يقوم بين أشياخ قومه وسراتهم مستخفا بأحلامهم مستنكرا لإحجامهم، قائلا: أنا أوازرك عليه، ثم يقبل النبي ذلك الشاب ويرتضيه لوزارته قائلا: هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا!!
شاب وغلام يقرران امتلاك العالم ويتعاقدان على مضاء هذه العزيمة! هذا ما لم يسبق له في الكون نظير، ولا حدث التاريخ بمثله.
وبماذا يبلغ ذلك الشاب هذه الغاية، ويقوى على تنفيد تلك الإرادة؟ أبجيشه اللجب، وهو ذلك الوحيد الذي لم يؤمن برسالته غير بضعة نفر؟! أم بخزائنه المعظمة، وهو ذلك الفقير المعوز؟! أم بأمته وهي تلك الأمة المستعبدة للفرس والروم؟! أو بوزيره وهو ذلك الغلام؟؟!